كثيراً ما احتار علماء التاريخ في قوانينه الموضوعية التي تتأبى على التوقُّع والتحليل.. يشترك في الأمر الجميع ومنهم ابن خلدون الذي يقرأ التاريخ قراءة جبرية تتصل بما يُسميه «أعمار الدول» ، فابن خلدون يشبه أعمار الدول بأعمار البشر، ويرى بعين اليقين أن كل دولة شريرة تؤول إلى دولة ظالمة لنفسها وشعبها، وإنه بهذا المُقتضى الجبري من الانحدار تسمح لأكثر الناس تعصباً وجهلاً في أن ينالوا منها، ليدخلوا المجتمع في دوامة جديدة من الانعطافات الدراماتيكية . يستخدم ابن خلدون مصطلحات وتعبيرات مغايرة شكلاً لمصطلحات اليوم، لكنه يتّصل جوهراً بفكرته القائلة إن الدولة تشيخ وتهرم وينخرها الفساد والوهن، فتنهار حتماً، لتفسح الطريق لدولة فتيّة تنبع من قوة العصبية وجرأتها ومغامرتها، وقدرتها على الذهاب بعيداً في مآربها.. ناظر ة إلى «المُلك» حتى وإن حملت شعارات تدعو للتغيير . يقول امرؤ القيس وهو في درب رحلته للاستنجاد بقيصر الروم ضد خصومه العرب!!: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن إنا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبك ويحك إنما نُحاول مُلكاً أو نموت فنعذرا تلك هي لسان حال العصبية التواقة إلى الدولة بوصفها مُلكاً ، ولايبرىء ابن خلدون أحداً من هذه النزعة، سواء الدولة المنهارة أو التالية لها . في تقديري إن هذا الاستنتاج الخلدوني التراجيدي ينطبق على الدولة التاريخية العربية، و مازالت جذوته مستعرة إلى يومنا هذا. نظرات ابن خلدون تجاه قوانين التاريخ ومآلات الدول بحاجة إلى مزيد من المتابعة الموازية مما سنتتبّعه بالتوازي مع ما حدث ويحدث في بلدان العرب الحائرة. [email protected]