- د. عمر عبد العزيز .. تلك حالات ظاهرة في سماء الثقافة العربية التي مهدت لدروب التيه والعصبية الظالة، ولقد كان بيانهم ساطعاً في سماء الإبداع، قليل الحظ في الحكمة، لأن أساس رؤياهم اقترنت بالعصبية الواضحة والتطرف الذي لايقبل التراجع.. يقول عمرو ابن ربيعة متفاخراً : ونشرب إن وردنا الماء صحوا ويشرب غيرنا كدراً وطينا إذا بلغ الرضيع لنا فطاما تخر له الجبابر ساجدينا ويقول آخر : وإنا أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر! ولعمري أننا مازلنا إلى هذا اليوم نعيد انتاج هذه الثقافة العدمية عندما لانقبل بأنصاف الحلول، ولا نرى العالم إلا بعدسات عقولنا الضيقة، ولا نعتمد التنازل من أجل ماهو أكبر وأهم.. ألم يرفض العرب قرار تقسيم فلسطين الأول، كما رفضوا كامب ديفيد الأولى لاحقاً، وهانحن الآن ننساق إلى ماهو أدنى بكثير!!.. تفاخر الشاعر الجاهلي بأنهم لايؤمنون بالوسطية، فإما أن نكون علية القوم وإما أن نذهب إلى القبر، إنها ذات المحنة التي ساقت جلادي شعوبهم إلى مزابل التاريخ وقبضة الاعداء!. في هذا المقام نستعيد قصة امرئ القيس مع صاحبه، فقد قال امرؤ القيس الذي استهان بخوف وجزع صديقه على درب الصحراء وصولاً للاستنجاد بقيصر الروم : بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبك ويحك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا تلك الأبيات التي أسلفنا، شاهد حي على النزعة البطولية المقرونة بالعصبية الواضحة، والبراغماتية السلوكية التواقة للملك والملذات، فالحكم ليس إلا غنيمة، وهو المدخل لمتعة الاستبداد الذي يمارس السادية على الآخر الخصم، وهو الطريق إلى المال والمجد. ألا نؤكد من يوم لآخر هذه الحقيقة برغم عشرات القرون على رحيل امرئ القيس ومن معه؟!. [email protected]