قبل أسبوع، وفي ظاهرة لافتة ربما هي الأولى من نوعها في مدارسنا، تجمع طلاب مدرسة الثلايا بتعز ليعلنوا احتجاجهم من ممارسات مدير المدرسة بحقهم واصفين إياها بالقاسية. سبب الاحتجاج – بحسب الطلبة – قيام “المدير” بضرب زملاء لهم بصورة مؤلمة جداً، خاصة أن أحدهم كان تلقى “16 خبطة” تسببت في تورم إحدى يديه. ترى أي ذنب اقترفه طالب الصف الرابع أساسي استحق عليه ذلك العقاب ؟!! احتجاج الطلاب خارج أسوار مدرستهم جاء كردة فعل توازي فعل الضرب الذي يتلقونه بمرارة، وهم الآن يرفضونه تماماً. لقد شعرت بالحرج والاستياء وأنا أستمع من بعض أولئك الطلبة عن أساليب القمع التربوي بحقهم.. أداته عصاً غليظة، ونتائجه إما جيل منكسر أو متمرد على التعليم.. والوطن الخاسر في كلتا الحالتين. من المفترض أن العملية التعليمية التربوية في بلادنا قد بلغت مرحلة النضج خاصة وأنها بعمر ثورتنا المجيدة.. لكنها اليوم وبعد “49” عاماً مازالت تسير بذات الأساليب التقليدية المسيئة للتعليم والقائمين عليه. إن العصا “الغليظة” التي يتمنطق بها المعلم أو مدير المدرسة بزهو وغطرسة أمام تلاميذه لبث الرعب في نفوسهم، أصبحت أداة قمع تضاعف من مأساتنا التعليمية، كما وأنها دليل على ضحالة فكر وعجز قدرات معلمين يحتاجون لجلسات علاج نفساني ليتخلصوا من عقد تراكمت بداخلهم.. وإذا استمروا في إسقاطها على طلبتهم، فإنها بالتأكيد ستقضي على التعليم وماتبقى من آمال في إحيائه. لا أدافع هنا عن طالب يتطاول على معلمه، ولا عن ولي أمر يعتدي على مدير مدرسة حتى وإن كان مستاء من ضرب مجحف وقاسٍ تعرض له ولده داخل صرح تعليمي وجد ليبني الإنسان بطرق حضارية لكنني بالمقابل أؤيد ماقام به طلبة “الثلايا” من اعتراض احتجاجي تضامني مع زميل، أو زملاء، لهم تحدوا العصا “الغليظة” التي أرهبتهم، وهم الآن لها كارهون.. لذلك فإنهم يستحقون وضعاً تعليمياً تربوياً أفضل وتعاملاً آدمياً لائقاً. إشكالية الضرب “ المتبادل” بين مدير المدرسة وولي الأمر الذي أراد الانتقام لابنه انتهت بتهجير الأخير للأول دون الرجوع إلى مسببات الإشكالية ووضع معالجات تضمن عدم تكررها لكنه العرف القبلي الذي يتدخل سلباً في كل شئون حياتنا مهمشاً اللوائح والأنظمة والقوانين. هذا التدخل – القبلي – انتصر لمدير المدرسة ولا ضير في ذلك، لكنه سمح للمدير باتخاذ قرار تعسفي فصل بموجبه الطالب وترك لوالده غُصة قلقة مصدرها مستقبل ولده ابن العاشرة الضائع الذي ظن أنه بدأ للتو السير صوبه بخطوات صغيرة. مشكلة كهذه قد تبدو لكثيرين عادية، لكنها ليست كذلك، إنها مؤشر خطير لعلاقة خالية من الاحترام يسيطر عليها العنف والبلطجة وهاتان الحالتان تهددان بقوة التربية والتعليم، يضاف إليهما التسرب اللافت للطلاب من المدارس والمستوى والأداء الباهت للمعلمين والإدارات التعليمية.. ووضع قائم كهذا بحاجة إلى تقييم جاد يعيد أولاً العلاقة بين الأسرة والمدرسة إلى ما يجب أن تكون عليه من مسئولية تربوية مشتركة فعالة، ثم يعيد الاعتبار للتعليم التائه بفعل الجهوية والحزبية والعشوائية. وفي بلدٍ نامٍ يواجه جملة تحديات.. سلاحنا الرئيسي هو التعليم الذي يبني الإنسان ويمكنه من تجاوز كل الأخطار المحدقة به. أما لماذا “التعليم”؟ لأن الأمر تحول إلى تحدٍ مصيري، ولأن الهوة التي تغاضينا عنها زمناً طويلاً، اتسعت بيننا والآخرين حتى وجدنا أنفسنا خارج منظومة التطور. لماذا “التعليم”؟ لأنه باختصار بطاقة مرورنا إلى الغد، ووسيلة بقائنا جديرين بالتعامل مع العصر المتقدم بلغته ومتغيراته.. نسهم فيه بكفاءة ونضيف إليها باقتدار أم ذلك أمر سنظل على الهامش ننتظر ببؤس مايقدمه الآخرون.