من الواقع المنسي تنموياً والمهجور سياسياً تقف المخا إحدى الشوامخ الوطنية والتاريخية.. عندما تزرها ترى انعكاس الموروث اليمني «التعزي» و«الحديدي» في الحياة العامة لابنائها لهجة وحرفاً وانتماءً. لم يشفع لها تاريخها وعالميتها وهي التي قدمت للعالم تلازماً بين شجرة البن وأرض المخا، فإننا مدينون كيمنيين بعالميتنا هذه لها، لأنها مصدر للبن من مينائها وترى عالميتها أيضاً من الناس الذين مروا عليها وخاصة الهنود والأوروبيين والأفارقة وأيضاً بقايا من التواجد العثماني فيها من الآثار والمواقع التي تحمل موروثاً ثقافياً متنوعاً. يخترقها شارع مُعبّد يتوسط مؤسساتها المحلية وهو معلم حديث معاصر يختزن المعالم الأثرية الإسلامية من مساجد ومقابر وبيوت كان نصيبها الهدم جراء حرب العثمانيين الذين احتلوا أجزاء من اليمن ضد الايطاليين عام 1911م والحرب العالمية الثانية بين العثمانيين والبريطانيين. تنمو المخا ببطء شديد، ومايؤلم انها تفتقد لفرص تنموية، فمحطتها التجارية لتوليد الكهرباء والتي تمون أجزاء كثيرة من اليمن بالطاقة وميناءها الحيوي الذي بالإمكان ان يكون مستقبلاً للمواد المصنعة للمصانع بالإضافة للصيانة للسفن وإمكانية رسو سفن نقل مياه التحلية من مياه البحر للاستخدام الآدمي والصناعي الذي تنتجه الشركة اليمنية لتحلية المياه المقامة على ساحل البحر والأخيرة ترسل عبر قاطرات بحرية إلى المناطق الصناعية بتعز لكن عمق مراسيه بسيطة لا تفي بالغرض بالإضافة لترسبات التربة والأعشاب البرية. المخا تمتلك أراضي زراعية يعتمد اقتصاد المنطقة عليه.. فيها تزرع الخضار مثل البصل والفواكه والتمور وعلف الحيوانات لانها تتمتع بمراعٍ وكذا إنتاج العسل. لم يشفع تنوعها الاقتصادي هذا لأن تهتم بها السلطة المحلية ولا السلطة المركزية ولو اهتمت بها وزارة التعليم الفني والتدريب المهني لكانت قد استوعبت احتياجات المؤسسات. وللأسف يعيش الشباب الذي يدرس حالياً الثانوية انعكاس آثار البطالة على من سبقوهم الذين يعملون في البحر أو الحمالة فيتسربون من التعليم. ولازال حلم قيام معهد مهني فني يلبي احتياجات السوق “نجارة، تكييف، سباكة، كمبيوتر، كهرباء”.. مما يعيق الطاقات الشابة من التأهيل ويكدسها عاطلة ويفاقم الفقر وتراهم يوزعون ملفاتهم للحصول على العمل ويقابلون بالرفض لعدم تناسب مستواهم التعليمي مع سوق العمل. ولو كان هناك تدريب مكثف وسريع للشباب بدءاً من السلطة المحلية بالبحث والتنسيق لهذا التدريب وأهميته لامتصاص طاقة الشباب لكان ذلك تأكيداً على تمثيل ونقل المجلس المحلي لاحتياجات أبناء المديرية إلى الجهات العليا، ولا أعفي السلطة المحلية من مسئولياتها في تلبية احتياجات الشباب وسوق العمل وتوفير فرص عمل لشبابها الذين أحبطتهم البطالة وغرقوا في بحر الاستسلام فترى التسرب وقبله عدم قدرتهم على التعلم لاكتظاظ الصفوف مما يحبطهم فيهربون إلى البحث عن فرص عمل في البحر قد لاتكفي قيمة القارب وبالطبع فرص العمل الحكومية محدودة فهي تصل لمن لديه الواسطة بالإضافة لمزاحمتهم من مرشحين يُرسلون مركزياً عبر المحافظة فيقضون بضعة أشهر ويعودون إلى مواقعهم الأصلية بعد أن اختطفوا الدرجات الوظيفية رجالاً ونساءً وقال لي أحدهم إذا اشتكينا اتهمونا بالطائفية والتعصب وأن الوطن يتسع للجميع.. إننا أحق بهذه الوظائف وسنحقق الاستدامة.. وهذا صحيح كون الاستدامة عنصراً رئيسياً في التنمية وأن لا يتذرع البعض ليحرم الآخرين حيث ينبغي تشجيع أهل المنطقة وتمكينهم من العمل وعلى السلطة المحلية ألا تقف متفرجة وأن تبدأ بدورات تطبيقية للشباب والتمحيص من أن المرشحين للوظيفة من أهل المنطقة وإذا لم تتوفر منهم خبرات ومهارات عليا لابأس بالاستعانة من خارج المنطقة على أن تكون هناك معالجات في الجامعات لإرسال شباب المنطقة وتوفير سكن لهم لا أن تبقى متفرجة. الغريب في الأمر أن منظمات المجتمع المدني استشعرت ذلك ونسقت مع السلطة المحلية في المحافظة وبحثت عن موارد، منها جمعية الزهراء لتنمية المرأة وجمعية الرحمة وهذا جهد مجتمعي تشكران عليه وتجربة جيدة للمساهمة في تنمية المديرية والمنطقة ومراعاة لخصوصيتها الواعدة كميناء وخدمات أخرى اقتصادية وتنموية.