لا يختلف عاقلان حول الانحدار الكبير الذي لازم المجتمع خلال النصف قرن الذي يبعدنا عن الثورة اليمنية في شمال الوطن وجنوبه، وما صاحب ذلك خلال العقدين الماضيين، من تعويم للمصطلحات والشعارات بشكل لا يتسق والأهداف الوطنية التي ناضل الجميع لتحقيقها. حيث تقف وراء ذلك الانحدار عناصر مهمة تحولت بفعل الخيوط الخفية إلى مايشبه الأراجوز, تاركة المساحة الفاصلة بينها وبين الوعي والشارع الوطني، تتسع يوماً بعد يوم، أهم تلك العناصر العلماء على اختلاف تخصصاتهم الدينية والفكرية والثقافية والعلمية، والإعلام اليمني الذي أصيب فجأة بإعاقة مستديمة، انتقل كل من العلماء والإعلام إلى مربع الصمت والمداراة والتملق والتلون والتلميع. أما العلماء فقد اكتفوا بأقل من القليل، تعايشوا مع الرشوة وتأقلموا مع الفساد شيئاً فشيئاً، حتى صاروا جزءاً منه دون منازع، حولوا المنابر إلى صرخات ومعارك وبكائيات كل ضد الآخر، هذا إصلاحي وذاك سلفي والآخر صوفي، كل مجموعة منهم تقف خلف راية ومصالح ومتنفذين ومتمولين وأقطاب وفتاوى. علماؤنا اليوم يتسابقون مع غيرهم على الأبراج العالية والسيارات الفخمة حولهم الحراس والخدم،صاروا أصحاب مصالح وشركات عابرة للقارات، ولا حول ولا قوة إلا بالله، المؤسف أن ترى بعضهم يوزع نفسه وعقله ولسانه بين السلطة والمعارضة، إذا تكلم أمام الحاكم رأيت له أسلوباً ولوناً وعبارات وابتسامات، ثم إذا وقف أمام الناس سمعت له قاموساً من البكائيات وعبارات التشفي والابتسامات الخبيثة، شياطين في جلابيب العلماء، لم يستطع أحد منهم أن يصلح نفسه فكيف سيصلح غيره؟، رحم الله الأستاذ النعمان والشيخ البيحاني كم نحن بحاجة اليوم لأمثالهما. أما الإعلام اليمني فحدِّث ولا حرج، لا تدري من يخدم، عن أي مجتمع يتحدث، لا يخدم برسالته الإعلامية لا السلطة ولا المجتمع ولا المعارضة، يبدو أن خيوطاً خفية لا علاقة لها بمن سبق ذكرهم تحرك وتوجه الإعلام اليمني لمصالحها، ما جعلنا نقول ذلك هو إنشغال الإعلام وأجهزته بأمور هامشية وقضايا عفى عليها الزمن وتجاوزها الوعي اليمني . الرسالة الإعلامية مفقودة تماماً، أحدث ذلك الغياب للإعلام الوطني فراغاً قاتلاً لدى الشارع، المواطن اليمني لا يثق بأجهزة ووسائل الإعلام ، السبب أن الإعلام اليمني استخف بوعي وحقوق المجتمع، نتيجة لذلك الاستخفاف والسطحية في التعاطي مع قضايا وهموم المواطن البسيط ومتطلبات المجتمع المدني انسحب وعي واهتمام ومتابعات الشارع اليمني إلى وسائل إعلامية خارجية تاركاً الإعلام اليمني ينشغل بأمراضه وقصوره وإخفاقاته. الخطاب الإعلامي والمؤسسة الإعلامية اليمنية بحاجة إلى إصلاح جذري، الأشخاص الذين كانوا يصلحون لمرحلة من المؤكد أنهم لا يصلحون للمرحلة الراهنة، كما كان يصلح للإعلام الشمولي، لا تصلح رسالته للإعلام الوحدوي، الواقع اليمني يحتاج لعقليات تؤمن بالوطن لا بالأشخاص . الإعلام اليمني - للأسف - يعيش خارج التغطية، لم يتحمل حتى المسؤولية الوطنية بحقها، إننا بحاجة إلى ثورة إعلامية تخدم اليمن واليمنيين، بعيداً عن أساليب التلميع وثقافة البراويز. [email protected]