ساعات من الترقب تعيشها اليمن، ويبلع فيها اليمنيون أرياقهم بحذر شديد وخوف مما يمكن أن تسفر عنه الأحداث بعد دخول الآلة العسكرية لعبة التغيير السياسي، وانشطار الموقف الشعبي بين متشبث بالشرعية الدستورية وبين منقلب عليها تحت شعارات ثورية، وتحالفات حزبية وقبلية ثم مؤخراً عسكرية. ففي الوقت الذي انتعشت آمال المعتصمين في ساحة الجامعة بانضمام اللواء علي محسن لهم، كانت هناك ثمة مؤشرات مقلقة تنبيء بوصول الأحداث إلى أهم مفترقاتها التي سيحدد مخاضها مصير اليمن.. فالمعارضون من أبناء الجنوب الذين يرفعون شعار (فك الارتباط) استبقوا الأحداث بالترويج لتقارير إخبارية في منابرهم بلندن تتحدث عن محاولات للالتفاف على مشروع التغيير بقيادات مؤثرة تنضم إلى ساحة الاعتصام. ويبدو أن تكهناتهم لم يكن مبعثها ذلك الهاجس بقدر ما نعتقد أنها مستمدة من قرار حلول قوات عسكرية بدلاً من الوحدات الأمنية التي كانت مكلفة بحماية ساحات الاعتصامات.. إذ إن هذه الخطوة أضعفت فرص الفوضى الخلاقة التي كانوا يعولون عليها في إعلان (فك الارتباط) تحت ذريعة انهيار الأوضاع في (الشمال)..! أما الحوثيون في شمال اليمن فقد استفزهم انضمام اللواء علي محسن لساحة التغيير، فأصدروا بياناً يطالبونه فيه بتقديم الاعتذار للشعب على خلفية تداعيات الحروب الستة في صعدة؛ باعتباره قائداً للمنطقة الشرقية التي خاضت قواتها المواجهة مع الحوثيين، واعتبروا عدم تقديم الاعتذار بمثابة (التفاف على الثورة ومصادرتها)..! ومن جهة السلطة، أعلن مجلس الدفاع الوطني أنه سيبقى في حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات، في نفس الوقت الذي أصدرت القوات المسلحة والأمن بياناً تؤكد فيه رفضها لأية محاولات انقلابية على الشرعية الدستورية، وأنها ستبقى وفية للقيادة السياسية ومسئولياتها الوطنية في حماية الوحدة والأمن والاستقرار. إن تلك التطورات التي شهدها يوم أمس الاثنين تضع جميع الفرقاء أمام خيارات صعبة للغاية في ظل تقاطع الغايات لكل قوة مع الأخرى.. إذ إن دخول الآلة العسكرية في اللعبة السياسية من شأنها دفع المواقف إلى مزيد من التصلب والتعنت، بل من المتوقع جداً خروج الحراك الجنوبي والحوثيين من دائرة حسابات ساحة التغيير إثر انعطاف مسارها نسبياً عن سياق اللعبة المنشودة التي كان يعول على فوضاها فرض رهاناتهما الخاصة. من جهة أخرى فإن هناك من يتساءل عن خلايا القاعدة التي كان أيضاً لها رهانها على صناعة الفوضى، ويقف أمام جدليات معقدة حول مدى إمكانية انزلاق اليمن نحو العنف والفوضى سواء من خلال تقاطع مصالح وأهداف قوى التغيير، أو من خلال صدام القوة بين أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية وبين وحدات أخرى أعلنت تأييدها لدعاة التغيير واستعدادها لحمايتهم، بجانب القوى القبلية الموزعة بين فرقاء اللعبة.!. بتقديري أن الخطورة تكمن في عدة اتجاهات: أولها مدى الاحتكاك المتوقع بين بعض الوحدات العسكرية على غرار ما فجر شرارة حرب 1994م، وثانياً مدى قدرة بعض أطراف التغيير على صناعة المفاجآت التي من شأنها تأجيج الموقف بين السلطة والمعارضة، أو حتى ربما أطراف محسوبة على السلطة تحاول دفع الأحداث باتجاه العنف الذي يقود للفوضى، وثالثاً مدى قوة تأثر الأطراف المختلفة بالضغوط الخارجية أو إملاءاتها أو مشوراتها. أعتقد أن السلطة والمعارضة مستوعبون لتلك الرؤى، ويدركون خطورة الزج بالآلة العسكرية في مسار لعبة التغيير، لذلك فإن الإحساس بالخطر قد يدفع – من وجهة نظري – نحو حلول توافقية من أجل انتقال سلمي للسلطة.. ربما بإشراف بعض الأشقاء. لكن الأهم خلال هذه الساعات هو تفادي مخططات الفتنة المتوقع أن تلجأ لها بعض الأطراف التي كانت تعلق على الفوضى كل آمالها. فليحذر الجميع في ساحة الاعتصام بتعز؛ فالمجرم لا يكرر جريمته في مكان بعينه!!