ما من أمة من الأمم إلا وتطمح لنيل المعالي والمجد، وترنو إلى مدارج العز والسؤدد، تبذل قصارى جهدها، وتقدم أرواحها وأموالها أثماناً لتحقيق أمنياتها، ولتصل إلى تطلعاتها في الوحدة والتماسك، والتعاون والتكاتف، ولقد كانت أمة الإسلام مثالاً يحتذى، وأملاً يرتجى، لكل شعب من الشعوب التي ترغب في العيش الكريم، وتسمو إلى تحقيق أهدافها في الحضارة والبناء، إذ كانت أمة الإسلام متمسكة بكتاب ربها ذي الجلال والإكرام، ومقتفية هدي نبيها عليه الصلاة والسلام، قامت على عقيدة صحيحة، وأعمال صالحة، وصدق في الأقوال والأعمال، وإخلاص في النيات والأفعال، انضوى تحت رايتها الرومي والحبشي، وتآخى في ظلالها العربي والفارسي ،مما يؤكد إن التآزر والتناصر من أقوى ثمار الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية بين المؤمنين، إذ بها الحب والإيثار والتراحم والتعاطف بين أفراد الشعب الواحد. وتأملوا ما كان بين المهاجرين والأنصار من محبة وإيثار، حيث يقول ربنا عز وجل في ذلك: “ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون”. ونحن اليوم وفي ظل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها الوطن أشد ما نكون حاجة إلى تمثل ذلك المجتمع الرباني، والاقتداء به في الوحدة والتآلف، والتماسك والتكاتف، والبعد عن الفرقة والاختلاف، ونبذ أسباب الشقاق والنزاع التي تذهب بريحنا، وتوهن عزيمتنا، وتنال من قوتنا. فشعبنا اليوم يملك من أسباب الوحدة وعوامل القوة ما يكفي أن تشكل أرضية صلبة تتكسر عليها جميع عوامل الفرقة، التي قد يثيرها بعض ضعاف النفوس، وبعض من لا يقدر قيمة الأمن والأمان، فينبغي أن نعمق هذه الأسباب في قلوبنا، ونرسخها في نفوسنا، لتستمر لنا النعمة، وتكمل لنا المنة، وتستمر عجلة التنمية ويكافح الفساد ويحاكم المفسدون أينما كانوا. فعلينا أن نترفع عن النزاعات والخصومات، ونتعالى على الخلافات ونلجأ إلى الحوار والتفاهم، وقد حذرنا ربنا سبحانه وتعالى من الخلاف، لأنه يوهن عزم الأمة ولا يأتي بخير، قال سبحانه: « ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ». وليعلم كل من يقيم على تراب الوطن ويتفيأ ظلاله وينتفع بخيراته أنه مسؤول عن أمنه، وأمن الوطن واجب مقدس ورسالة سامية وواجب شرعي؛ لأن هذا الأمن هو في صالحك أولاً، فبالأمن تأمن على نفسك وعرضك ومالك ومجتمعك وكسبك ومجدك، والأمن من أعظم النعم حتى امتن الله بها على خلقه فقال: “الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”. ولا حياة بلا أمن؛ فإن الأمن ركن أصيل من أركان السعادة والفلاح والنجاح، حتى قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها »، وقد سأل إبراهيم عليه السلام، ربه الأمن في الوطن، فقال«رب اجعل هذا بلداً آمناً». فكفانا فتناً وتخريباً وتدميراً لليمن وكفانا صراعات وحروباً.. وكفانا هدراً للإمكانيات.. وكفانا عناداً ومكابرة.. وكفانا أزمات.. وحان الوقت لكي نعمل جميعاً في اتجاه تعزيز قيم السلام والمحبة والوئام، وتجريم أعمال العنف والتخريب والإرهاب والسلوكيات الخاطئة والدعوات المنحرفة التي تسعى إلى إشعال الحرائق وإثارة ثقافة البغضاء والكراهية بين أبناء الوطن الواحد. وما يجب أن يكون واضحاً ومفهوماً ومعروفاً لدى الجميع أن هذا الشعب الذي قدم كل تلك التضحيات في سبيل الانتصار لإرادته في الحرية والوحدة والديمقراطية لن يسمح لأي كان بالتطاول على ثوابته الوطنية وفي مقدمتها وحدته العظيمة، ولن يتهاون أبداً أمام أية أطروحات تنال من هذه الثوابت أو تنتقص من مضمونها الجوهري الأصيل حيث وهذه الثوابت لا تقبل المساومة أو المتاجرة. شكراً للأشقاء في دول الخليج قوبلت المواقف الأخوية والأصيلة للأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال المبادرة الخليجية بترحيب القيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية حفظه الله وترحيب الدول الصديقة والجامعة العربية كيف لا واليمن وأمنه واستقراره يحتل أولوية رئيسية لدى أشقائه في هذه الدول، التي أكدت بلغة واضحة وصريحة لا لبس فيها ولا غموض أنها لن تتوانى في أية لحظة من اللحظات عن أداء واجبها الأخوي تجاه اليمن بالوقوف إلى جانبه في مواجهة التحديات ومساندته في التغلب عليها، وتقديم كل أشكال الدعم للمضي في تحقيق تطلعات أبنائه في التقدم والتطور والرخاء. والثابت أن الشعب اليمني سيظل يتذكر مثل هذه المواقف لأشقائه في مجلس التعاون الخليجي الذين برهنوا على أن ما يجمع اليمن بهم هو المصير الواحد وقد تجلت دلالات هذا النبع الأصيل من التعاضد والتضامن في أنصع صورة لها من خلال المبادرة التي تسعى من خلال الحوار الجاد والمسئول في الرياض إلى وضع الخطوات التنفيذية دون تسويف ومماطلة ووضع شروط مسبقة وهو ما يجب أن تدركه أحزاب المعارضة بأنها أمام فرصة أخيرة لتعود إلى طاولة الحوار لإخراج اليمن من محنته وعدم جره إلى مستنقع الفتنة وسفك الدماء. فشكراً للأشقاء في دول الخليج على مواقفهم الأصيلة ومساندتهم لإخوانهم في اليمن، وتجسيدهم لمبدأ « الأخ لأخيه في الشدة والرخاء » وهي مواقف نثمنها عالياً ونشيد بها وتستحق منا كل التقدير والثناء، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.. والله الموفق. [email protected]