في زحمة الحياة وما يطرأ بها من متغيرات عامة تؤثر على بعض الإيقاعات تبرز بين الحين والآخر وجوه ناصعة كان لها تأثير بالغ في جغرافية المكان والزمان . حتى أن هذه الوجوه تظل عالقة رغم الأنواء التي تعصف في الذاكرة والوجدان وتجد لها أمكنة في قلوب الناس. في هذا الصدد وبينما أنا استذكر إحدى العلامات البارزة في التاريخ الحديث وكان لها بصمات حية يأتي اسم المؤرخ الأستاذ عبدالله محيرز ذاكرة عدن التاريخية حين اتصل بي أحد الزملاء باحثاً عن كتبه التي تؤرخ للأمكنة في عدن . وكان الاتصال بمثابة رنين للإهمال الذي يكسونا جميعاً خاصة عندما يتعلق بالشأن البحثي . وبرغم معرفتي بالزميل الباحث عن كتب الأستاذ عبدالله محيرز وإجابتي له عن الكتب الذي ألفها الأستاذ الراحل كانت فرحته لاتوصف وهو الذي يعرف تماماً قدرات الأستاذ الراحل عبدالله محيرز في البحث والدراسة والاجتهاد . حيث لم تغب عنه شاردة ولا واردة عن عدن إلا وهو لامسها بالبحث . حيث ظل الأستاذ عبدالله محيرز الباحث عن تاريخ اليمنوعدن خاصة باحثاً ومتفحصاً عنها في كبرى المكتبات العالمية في العالم . ولأنه يؤمن بالمعرفة وانتشارها وأهمية تلاقح المعارف بين الشعوب ظل متنقلاً من عدن إلى الهند وايطاليا وباريس وبريطانيا وباكستان لتصوير وتوثيق المخطوطات التي تربض هناك ووصلت عبر طرق عديدة بحكم فترات سابقة نتيجة للمراحل التي مرت بها اليمن . هذا الأمر لم يثنه عن محاولة البحث والتوثيق حيث أتعب جهده في هذا الشأن منذ أن كان في المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف إلى أن توفاه الله . مثل هذه الشخصيات البارزة التي تذكرنا بالعمل المضني في حياتها وإهدار طاقاتها فيما ينفع الناس لم أر إلا النسيان يقابلها في كل شيء . المحزن أن الإشارة إلى مثل هذه الشخصيات في يوم وفاتها وتذكير الأجيال الحالية عن جهودها الكبيرة في التاريخ سوف تكون قدوة تحتذى بها في طريق المعرفة والبحث والاجتهاد. وكان من حسن حظي أن الأستاذ عبدالله محيرز تعرفت عليه حين كان مديراً عاماً للمركز اليمني للأبحاث الثقافية وكنت حينها موظفاً في ذلك المركز البحثي في شئون التراث. وكم كنت سعيداً وأنا أكتسب المعرفة والنصائح من هذه الشخصية العلمية التي نعتز بها وكيف كان يضع الوقت في متناول البحث والتنقيب عن تاريخنا اليمني القديم. وشاءت الأقدار أن يرحل عن عالمنا هذا بعد رحلة طويلة مع المرض وهو الذي سعى نحو تأهيل العديد من الكوادر في مجال التاريخ والآثار عبر علاقاته العلمية في باريس والعالم العربي وهاهو العديد من تلك الكوادر يتبوأ العديد من المناصب الأكاديمية في الجامعات اليمنية والعالمية. هل لنا أن نذكره من خلال إقامة ندوة للتعريف به وهو الذي لايعرّف بل من باب الذكرى لوفاته؟. هذا مطروح على قيادة جامعة عدن الذي تعرفه جيداً.