لم يكن تحذيري من التساهل والمداراة وعدم تفعيل النصوص الدستورية حديث اللحظة, ولكن كان ذلك من وقت مبكر, على اعتبار أن الشعور بالمسئولية تجاه الوطن هو الحافز والدافع الذي يدفع الباحث والمفكر والدارس أياً كان إلى قول الحقيقة والتنبيه لها, وهذا هو الواجب المقدس الذي ينبغي على حملة الأقلام الوطنية النزيهة والشريفة القيام به لتبصير الناس ووضعهم في صورة الواقع, وتحذيرهم من الانجرار خلف الأوهام التي يطرحها أصحاب الأحقاد وصنّاع الأزمات والفتن الذين يغلبون مصالحهم الذاتية على المصالح العليا للوطن. إن الاستمرار على الخط الوطني الذي يغلب الصالح العام على الصالح الخاص هو الرسالة الدينية والوطنية والانسانية التي يحملها صناع الكلمة ورواد الفكر المستنير, أما الذين يروجون للفتن والأزمات فلا أعتقد أن ضمائرهم حية ونفوسهم سليمة, لأن أصحاب الضمائر الحية والنفوس السليمة يقدسون الوطن ومصالحه العليا, ويحترمون الإرادة الكلية للشعب ويسعون لحمايتها, ولايقبلون بتجاوزها, ويصرون على سيادة الدولة وسلطان الدستور, ولايقبلون بالفوضى والإرهاب والتخريب والتمرد على الشرعية الدستورية. إن الضمائر الوطنية الحية هي التي أنفت المسخ الفكري والتسلط المنفعي, ولم تقبل يوماً أن تكون تبعاً لأحد مهما كان, وإنما ارتضت لنفسها الحرية والعبودية لله الواحد القهار, وألزمت نفسها بالدستور والقانون لأنهما يمثلان الإرادة الكلية للشعب, ولذلك فإن حياتهم وإن كانت بسيطة وفي حدود الكفاف إلا أنها عز وكرامة لأن حياتهم ونضالهم من أجل الصالح العام الذي يسود فيه الأمن والأمان والألفة والمحبة والاعتصام بحبل الله, لأن في ذلك كله سيادة للخير والسلام والتسامح بإذن الله.