إما أن تقوم الدولة بضبط الأمن واستعادة قدرتها وإما أن تدعو الناس إلى حماية أنفسهم.. أما أن تعيش اليمن بأمن منقوص فهذا هو الخطأ الذي يغري بمزيد من الفوضى ويضع المجتمع على حافة الانهيار، فليس في اليمن اليوم ما هو أكثر أهمية من الأمن. القلق على المستقبل أصبح شعوراً عاماً.. فالأحداث الأخيرة في تعز ومنطقة الحصبة بأمانة العاصمة تحولت بالخوف من حالة شخصية إلى حالة مجتمعية، وأصبح الناس يتساءلون لماذا تنجح الدولة في تصفية المعتصمين بتعز وترسل الوساطات في صنعاء؟ ولماذا رئيس جهاز الأمن السياسي يترك مهمته الأساسية في الحفاظ على الأمن ويتحول إلى وسيط يتوسط لمجموعة من الخارجين عن النظام والقانون رفعوا السلاح في وجه الدولة وقتلوا الأطفال والشيوخ والنساء؟! الناس يساورهم القلق ويستبد بهم الخوف على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، مثل غيري ليس لديه يقين بشأن الدلال الذي يحظى به أولاد الأحمر، ولا أريد الاجتهاد بغير دليل بالقول: إن هناك خبراء داخل النظام لإسقاط النظام، نحن أمام عنف نرى الشوارع والشاشات التلفزيونية فلم نعد نفهم أسباب الغياب الأمني في العاصمة صنعاء، وكيف تستطيع مجموعة من الميليشيات أن تبسط نفوذها في منطقة الحصبة كل هذا الوقت، ولماذا لا تغلق عليها المداخل والمخارج ويتم إلقاء القبض على عناصرها؟! المثير للدهشة أن أحزاب اليسار ومعهم الشباب الذين خرجوا للمطالبة بالدولة المدنية الحديثة مازالوا يصطفون وراء أولاء الأحمر والزنداني وميليشياتهم، ونحن لم نعرف دولة مدنية بالعالم تستبدل عنف الدولة بعنف القبيلة، لم نعد نفهم أسباب هذا الحلم على أولاد الأحمر وأسباب الصبر على تلك الحالة التي وصلت إلى حدود غير مقبولة وغير محتملة، فمن غير المعقول أن تترك العاصمة ساحة ينشط فيها القتلة يروعون الآمنين ويزرعون الخوف. من حق المواطن اليمني أن يعرف لماذا تختفي مادة الغاز والبترول والديزل لكنها موجودة في السوق السوداء، لقد بنيت الدولة لصالح القبيلة، وإلا ماذا يعني أن يكون هناك لواء عسكري تحت إمرة صادق الأحمر؟ وماذا يعني امتلاك هؤلاء الأشقياء لأجهزة لا سلكية لا تمتلكها سوى الدولة؟! يرتبط ذلك بممارسات طويلة خاطئة بين الأمن في جزء منه والجيش كذلك لصالح أسر وليس لصالح الدولة. أصبحت هذه الأسر تغتال نمط الحياة الآمنة، ومن الطبيعي مع هذا العنف أن يتراجع تقديس الحياة الإنسانية وتتلاشى حرمة الدم الإنساني، ومما يزيد الأمر تعقيداً أن جرعات العنف تزامنت مع انتشار مشاعر الإحباط والظلم بين الكثير من اليمنيين بفعل الممارسات الخاطئة التي تركت المواطن عرضة للابتزاز إذا لم تقم الدولة بواجبها الأمني فستجعل العنف وسيلة لدى كثيرين للتنفيس عن الكبت والإحباط والظلم وسيصبح ذلك ميسوراً في ظل الغياب الأمني. في هذه الظروف الدقيقة يبدو التساؤل مشروعاً بشأن مستقبل اليمن. لقد خرج الشباب إلى الشوارع والساحات فأعطوا القوة للأحزاب السياسية، والميليشيات احتجزت اليمن داخل قفص حديدي.. فهل يستطيع الشباب ومعهم القوة اليسار أن يؤدوا واجب المراجعة لما يجري؟ وماذا علينا أن نفعل في المستقبل..؟ لا يمكن الذهاب إلى المستقبل ما لم نقم بمراجعة ما جرى؛ لأن اختزال المطالب سيجعلنا نرتكب نفس الأخطاء التي ارتكبناها في الماضي القريب والبعيد معاً. ففي كل منعطف تاريخي وصلناه نتيجة الممارسة الخاطئة كنا نجد أنفسنا نبدأ من جديد، ويكون الثمن غالياً في كل مرة، مضاف إليه عودة لارتكاب نفس الأخطاء مرة أخرى، لقد أظهرت الأشهر الأربعة الماضية أن الشباب ليسوا فقط مفككين بل وغير قادرين على تحقيق رؤية تحمي مطالبهم، وبالتأكيد فإن القبول بعلي محسن الأحمر والزنداني وحميد الأحمر ومن معهم من أركان النظام السابق قد أضاف إلى الشعور بعبث السعي إلى الإصلاح أو التغيير، هذا القبول بهذه العناصر قد أعطى نوعاً من العمى السياسي. وأستطيع القول: إن ذلك لم يكن سبب غياب الرؤية الوحيدة، فقد كان انقسام الساحة سبباً آخر، واليوم على الشباب أن يختاروا ما بين الدولة المدنية والديمقراطية أياً كانت عيوبها ودولة القبيلة.