ذات عام مضى كان أحد الطلاب في جامعة صنعاء يأتي إلى الجامعة وهو يحمل سلاحه خوفاً من الثأر الذي يلاحقه في كل مكان، فسألته عن ذلك فأجابني عن قاتل لا يعرفه ومقتول لا أحد يعرف من هو قاتله حتى أصبح كل شاب هدفاً لتصفية حسابات القتل بين القبائل المتنازعة بلغة الثأر، وبعد ان أكمل حديثه سألني عن تعز، وكان يعلم انها قد تجاوزت حكايات من هذا النوع لكني اضفت له تفاصيل الحياة اليومية في تعز الآمنة المطمئنة وقد اختفى السلاح فيها عن الشوارع والأسواق وقل ان تشاهد من يحمل سلاحاً ويسير به في الأسواق والطرقات من المدنيين وحين يحدث ذلك يكون الشخص شاذاً غريباً في هيئته ولباسه ومظهره.. قلت له بأن كل مظاهر وظواهر العصبيات والثأرات وحكايات القبائل لم تعد بالصورة التي هي عليها في محافظات أخرى وقد تجاوز الناس حكايات من هذا النوع وهذه حقيقة في تعز يدركها أبناء اليمن .. الطالب الذي تحدثت معه آنذاك انتهى به الأمر مقتولاً في أحد شوارع العاصمة قبل سنوات من غير ذنب سوى الثأر المقيت وعصبيات الجاهلية المعاصرة لكني مضطر لأن أقول له اليوم مخاطباً ذكراه الطيبة وعلاقة مودة جمعتني به لأعوام عدة .. مضطر لأن أقول: بأن تعز لم تعد تلك المدينة التي حدثته عنها.. لقد عادت القبائل أو من يسمون انفسهم بذلك ليعكروا صفو الحالمة تعز وتحولت المدينة إلى ساحات حرب وصراعات تستهدف رجال الأمن والجيش تحت مبررات من قواميس الثورات المعاصرة وبفتاوى شرعت للذين في قلوبهم مرض لأن يعيثوا في المدينة فساداً وخراباً ويحولوا أمنها خوفاً ورعباً لم تعد تعز اليوم كما كانت منذ زمن فقد غزتها قبائل وحولتها إلى مدينة أشباح، ولم يزل أبناؤها يدافعون عن حلم مدينتهم وعن مدنيتها التي كانت عنواناً بارزاً وقابلاً لأن يكون أنموذجاً لغيرها من المدن والمحافظات.. اليوم تعز صارت أسوأ من غيرها من المدن بفعل قطعان المسلحين الذين شرعت لهم الأحزاب لاستباحة أمن المدينة وإقلاق سكانها والتباهي بالسيطرة على بعض الشوارع والأحياء .. في تعز يجرى تنفيذ مشروع الفوضى الهدامة بأبشع صورة وثمة من يطربه هذا الحال، وثمة من يفرح بنبأ اغتيال جنود الأمن والجيش ويدعو للمزيد .. في تعز عادت الرصاص لتحكم أوقات المدينة وعاد الخوف من الرصاص المتعمدة والطائشة التي تجد طريقها إلى أجساد الأبرياء ليُقتلون ظلماً وعدواناً.. ومن تعز تنسج حكايات الخراب العظيم الذي يُراد له ان يعم كل اليمن، وعلى الجميع ان يفكروا جيداً لماذا جرى اختيار مدينة تعز لتكون ساحة حرب وصراع واعتداءات على منشآت الدولة؟ ولماذا أطل العنف من المدينة المدنية ومن المدينة التي كان الناس يحتكمون للقوانين والأنظمة رغبة في خلق مجتمع آمن ومدني وهكذا أرادت الثقافة البشعة تحويل تعز إلى حكاية أخرى لا علاقة لثقافة أبنائها الأصيلة بها وهكذا أرادوا تشويه وجه هذه المدينة ونسماتها وروحها، فلا تسمحوا لهم يا أبناء تعز بذلك وحافظوا على مدينتكم من قطعان المسلحين.