لا يختلف عاقلان أن المواقف والأزمات والمراحل الصعبة تفرز الرجال، تغربلهم، تصهر وتجلي القيم والأخلاقيات والمعادن التي يحملونها ويتخفون وراءها. تساقط الكثيرون منهم على جنبات الطريق، غير البعض منهم جلده ولونه ولسانه وفقاً لمصلحته الذاتية، تكشف ولاؤه وتبعيته لشخص متنفذ أو حزب أو قبيلة، بصورة توحي بتهاون وسقوط في القيم والأخلاقيات والثوابت الوطنية التي ينبغي أن تشكل المرجعية الذاتية في وعي وسلوك ومواقف كل مواطن كبر شأنه أو صغر، مدنياً كان أم عسكرياً. إن الاتفاق أو الاختلاف مع النظام السياسي في الوطن لا يبرر لأحد التخلي عن الوظيفة العامة أو حمل السلاح وإشاعة الفساد والتخريب والسلب والنهب وقطع الطرقات وتدمير وإحراق المؤسسات أو استغلال حاجات ومتطبات المواطنين، حتى وإن كان ولاء تلك القيادات وإخلاصها لشخص أو متنفذ أو شيخ قبيلة أو حزبه ، تلك العقليات والقيادات الهشة ساعدت بشكل كبير على تفاقم الازمة ومضاعفة حالة الاحتقان السياسي والفلتان الإداري والأمني، لأن تخليها عن الأمانة في هذه اللحظة إفساد متعمد يحاسب عليه ويعاقب بجرمه. المؤسف أن المتفق مع النظام لم يقم بواجبه كما يجب، رغم أنه ملزم اكثر من غيره في هذه المرحلة بأن يضاعف من جهوده وتفانيه في تحقيق الانضباط الإداري والأمني لا أن يتحول إلى واجهة للفساد والفوضى. أما المختلف مع النظام فقد سوغ لنفسه وأتباعه إحراق البلاد وتدمير كل ما تم بناؤه بحجة أنه يذكرهم بالنظام ، حملوا السلاح، عسكروا المجتمع لم يبقوا لأحد ولا لوطن أو شعب حرمة أو كرامة، تبنوا الخطاب العدائي السافر الذي لم ولن يبقي للأخوة والمودة والشراكة مكاناً أو قيمة ولن يذر بين الناس معروفاً ولا تعايشاً، لأن لغة الحقد والكراهية والنقمة التي انتهجها ذلك الخطاب عبر كل قنواته ووسائله لا يعبر عن أسلوب حضاري في المعارضة والمنافسة السياسية والحزبية، تحول الأمر إلى ما يشبه عصابات المافيا التي لا يهمها تدمير الآخر ونسف البلاد عن بكرة أبيها. من كان ولاؤه وإخلاصه لشخص الرئيس لا يختلف عن ذلك الذي ولاؤه لغيره من الأشخاص أو الأحزاب أو القبيلة، أما الذي اثبتت المرحلة ولاءه وإخلاصه لليمن بعد الله فقد حافظ على أن يكون كبيراً بحجم اليمن الأرض والإنسان، لم يتغير لمجرد اختلاف الفرقاء وأصحاب المصالح، لم ينحز لهذا أو ذاك، هو ابن اليمن وعاهد الله على حمايته والمحافظة عليه وأقسم الأيمان على ذلك أمام الله والناس، فلماذا خان أولئك المتساقطون العهد والأمانة.؟ على الرغم من ثقل المعاناة واشتداد الأزمة وتوسعها وتأثيرها على الحياة المعيشية لليمنيين بشكل غير مسبوق إلا أنها قد كشفت المستور، عرّت كل المزايدين والدجالين، اسقطت العمائم والأقنعة، أظهرت بوضوح مراكز النفوذ والفساد والتسلط وقوائم السلب والنهب والمهربين الكبار وتجار الأسلحة، شخصت المشهد اليمني بقدر الفجيعة التي أعقبت انقسام الجيش والساسة والنفعيين وفلول المرتزقة وناهبي المال العام ولصوص الأراضي، بقدر ما شعرنا بنعمة الله حين أخرجهم من جلودهم المستعارة وأظهرهم على حقيقتهم وأحجامهم الطبيعية. قيادات بعضها من ورق لا عهد لها ولا ميثاق ولا شرف ولا اخلاق يتساقطون مثل أوراق الخريف، هم رجال موائد لا رجال أزمات، لا يصلحون للمراحل كلها، حياتهم تنتعش في الازمات واستغلالهم لها. [email protected]