الصوم في حقيقته هو تهذيب للنفس، والنفس، والمعاصي محرمة في كل وقت وزمان إلا أن ممارستها في شهر رمضان شهر الصوم أشد إثماً وأكثر جرأة على الله إذ ليس لله حاجة في أن يمتنع الصائم عن الطعام والشراب مادام يرتكب المنكرات ويشبع غريزته ونوازعه التي من المفترض أن صيامه يقهرها ويهذبها. الصائم الحقيقي يجب أن يكون قلبه عامراً بالإيمان الذي يصبغ على حياته نقاء وصفاء، يقابل الإساءة بالصفح والإحسان، والتحامل والتجهم والتهكم والسخرية بالابتسامة، فلا يغش إذا باع أو اشترى، ولا يخلف إذا أوعد، ولا يفجر إذا خاصم، ولا يخون إذا أؤتمن، ليس بسباب ولا لعان، لين الجانب، حسين العشرة، طيب المعاملة، لا يؤذي جاره ولا يتتبع عوراته، ولا يخوض في أعراض الناس. إذا كان الناس كلهم على هذه الصورة المشرقة الناصعة لعاش المجتمع عيشة رضية يسودها الحب والإخاء والسعادة الحقيقية التي ليس فيها حقد ولا حسد ولا بغضاء ولا كراهية، دائماً نكرر عقب كل صلاة قول الرسول صلى الله عليه وسلم : “ اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام”، وإننا لنعجب من أنفسنا ونحن نردد هذا الاسم الجليل عقب كل صلاة ثم تتحول سلوكياتنا وممارساتنا إلى حرب لا تهدأ مع الآخرين، وعلى كافة المستويات النفسية والسلوكية والفكرية والحزبية والأسرية، فأين السلام مع النفس الذي ينعكس سلاماً مع الكون والحياة والناس كما هو حاصل الآن عندنا في يمن الإيمان والحكمة من تناحر وحقد وكراهية وإراقة دماء وإزهاق أرواح وخراب ودمار للوطن سببه فرقاء العمل السياسي، وما أحرى بهم أن يحكموا العقل والمنطق ويرجعوا إلى جادة الصواب ويحكموا كتاب الله ويحلوا مشاكلهم وخلافاتهم بالجلوس إلى طاولة الحوار وفقاً للشرعية الدستورية، وبذلك يحافظون على وطنهم ومكتسباته ويجنبون البلاد الخراب والدمار، ويعود الترابط والتراحم والتكافل والتعاون فيما بينهم في هذا الشهر الفضيل. يجب على اليمنيين جميعاً أن يجعلوا العقل دائماً هو الميزان في كل الأمور، ويجب علينا جميعاً أن نفتح قلوبنا للإيمان في هذا الشهر الكريم فإذا دخل الإيمان قلوبنا دخلت معه خشية الله وإذا دخلت خشية الله دخلت الرحمة والنور والخوف من الله فلا نعمل إلا عملاً صالحاً يرضي الله ونقلع عن كل ما يغضب الله، فهل نجعل العقل هو الميزان ونفتح قلوبنا للإيمان حتى تدخله خشية الله ونحسب الأمور حسبة صحيحة ونخمد الفتنة ونحقن دماءنا ونجنب بلادنا ويلات الخراب والدمار في هذا الشهر الفضيل. فيا حكماء اليمن وعقلائه الحقوا اليمن قبل أن يغرق في نهر من الدماء، استفيدوا من الوقت واستغلوا الشهر الكريم قبل فوات الأوان، أصلحوا بين اخوانكم وحلوا هذه الأزمة السياسية الخانقة، فجميعنا في سفينة واحدة اسمها اليمن فهل نعمل جميعاً من أجل الخروج بها لترسو على شاطئ الأمان.