منذ بداية الأزمة الراهنة التي تمر بها بلادنا والعقلاء ينادون بالحوار والتوافق للخروج من دوامة هذه الأزمة حقناً للدماء وصوناً للمقدرات، غير أن أصوات العقل لم تلقَِ آذاناً صاغية، وذهب البعض نحو تعقيد المشكلة وسلكوا سبل العنف والفوضى وغرروا بالناس وزينوا لهم الشر، وهو ما أطال أمد الأزمة وعقّد الحلول واضطر الناس جميعاً لدفع ثمن ذلك الجنون من أقوات أطفالهم ومتطلبات حياتهم ومن دمائهم ومن الأرواح الطاهرة التي أُزهقت بغير ذنب. قال العقلاء وأصحاب المنطق السليم بأن لهذا البلد خصوصياته التي لا يمكن مقارنته بغيرها من خصوصيات البلدان وعموميات العالم، وبالتالي على الجميع أن يفكروا جيداً بخصوصية الحلول من أجل مصلحة هذا البلد وأهله حتى لا ينزلق في أتون صراع سيكون من الصعب التحكم في مجرياته ونتائجه.. ثم جاء من يقول هذا الكلام من الإقليم المحيط وصولاً إلى إجماع العالم على ضرورة الحل السلمي للأزمة اليمنية بناءً على خصوصيات هذا البلد، وبالنظر إلى طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية ذات النمط المختلف عن سائر الأنماط في الوطن العربي، وكان من ضمن أهم نقاط الاختلاف هو وجود مساحة غير عادية للحريات وللديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية وهذا ليس بخافٍٍ على أحد في الداخل والخارج، غير أن غشاوة الحقد والكراهية أعمت عيون بعض شركاء الأزمة فدفعوا بالأمور نحو منعطفات سيئة فظهرت تعقيدات كبرى فتحت أبواب الخوف والقلق من انهيار الأوضاع وحدوث الصراع الدامي الذي سيفتح أبواب الكارثة لا محالة، وهو ما لا يريده عقلاء الداخل والخارج. اليوم يتضح بأن أصوات العقل هي الأعلى والأكثر فيما يخص الشأن اليمني وأزمته الراهنة، وهو ما تبين من مواقف الإقليم والعالم اعتماداً على خصوصية الوضع اليمني الذي أشرنا إليه، وإدراكاً لخطأ حسابات بعض الأطراف الداخلية وسوء تقديرهم للمواقف والعواقب. يرتفع صوت العقل عالمياً وهو ما كُنا نرجوه ونتمناه ولم نزل نرى فيه داعماً حقيقياً لإمكانية حدوث توافق أو حلول لا تجلب الويلات على هذا الشعب، والذي قد دفع من أمنه ومن ضروريات الحياة ما يفوق الممكن وتحمّل أسوأ مرحلة تمر عليه اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً أيضاً تراجعت كثيراً حماسة المجانين حين تبيّن هذا الموقف العالمي تجاه اليمن وأزمته، غير أننا لا نأمن حماقات قد تُفاجئنا جميعاً وتدفع نحو تفجير الموقف عسكرياً، وهو أمر لا نستبعده ونحن نتابع مجريات الأحداث؛ لأن أصحاب المصالح الخاصة والأحقاد الشخصية لا يرضيهم التوافق ولا ترضيهم الحلول السلمية لأنهم يعتقدون بأن هذا النوع من الحلول لا يميزهم عن غيرهم ولا يعطيهم مصالح أكثر من سابق الأيام والعقود، ولعلهم حين سلكوا مسلك التأزيم والتعقيد والعنف كانوا يهدفون للإبقاء على مصالحهم غير المشروعة وقد استشعروا تهديدات المرحلة لتلك المصالح. عموماً نحن نخاف على هذا البلد والناس من حماقات اللحظات الأخيرة التي قد يقترفها أولئك المجانين لإخراج الأزمة عن سياق الحلول السلمية وجرّها نحو دوامة الفوضى والصراع وتلك الحماقات لا يستهدف أصحابها فئة بعينها أو حزباً بذاته، ولكنهم سيستهدفون كل الشعب لأنه لم يجارهم على النحو المطلوب، وبالتالي توشك أن تفشل مطامعهم بناءً على مواقف أصحاب العقل والحكمة والموقف الإقليمي والدولي، فاحذروا من اللحظات الأخيرة.