تعيش مدينة الحالمة لحظة حزن لم يسبق لها مثيل في تاريخ الخلافات والصراعات الإيديولوجية والسياسية لأن الاحتكام لمنطق القوة من خارج نطاق الأجهزة الأمنية أسلوب دخيل على هذه المدينة السباقة إلى الحداثة والعصرنة والدولة المدنية الحديثة.. حيث تحاول فيه القبيلة ابتلاع ما تحقق من مؤسسات الدولة المدنية الحديثة بأساليب ووسائل تظهر غير ما تبطن وتستخدم الاعتصامات السلمية ستاراً لتمرير مالديها من السياسات العسكرتارية المتقبيلة في ثورة مضادة تقودها قيادات تقليدية مستترة خلف الاعتصامات والمسيرات والمظاهرات الشبابية الغاضبة مما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأغلبية الساحقة من ذوي الدخل المحدود والذين لا دخل لهم على الإطلاق.. أعود فأقول إن نوافذ المسلحين المدججين بالأسلحة الثقيلة والأسلحة المتوسطة والأسلحة الخفيفة من المحافظات الشمالية والشرقية والجنوبية لحماية الاعتصامات السلمية بدواعي الغيرة على الأصالة المستمدة من الإسلام والأصالة القبلية شكلاً وما لديهم من الطموحات والأطماع غير المشروعة التي تتحول فيها المسيرات والمظاهرات إلى أحداث شغب وسلب ونهب وقتل عملاً استفزازياً يستفز القوات الحكومية والأمنية ويستدرجها إلى الدخول في مواجهات دامية ومدمرة يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها سوى من عرفناهم بأعداء الحداثة والعصرنة والدولة المدنية الحديثة من الذين يعتقدون أنهم فوق قدسية الدستور وسيادة القانون الذين كانوا ولازالوا عائقاً يحول دون بناء الدولة المدنية الحديثة من الذين يعتقدون بأنهم الأقدر على اسقاط الرؤساء الأقوياء واستبدالهم بمن هم أضعف منهم ولا يفكرون بالتمرد عليهم بالانحياز لقدسية الدستور وسيادة القانون. نعم إن الشباب الذين يرفعون هذه الشعارات الراديكالية المتطرفة هم في الغالب الأعم متعلمون ولكن تنقصهم الخبرة والتجربة السياسية النابعة من استيعاب حقيقي للماضي وإدراك حقيقي للحاضر والمستقبل، يفكرون بعواطفهم وعصبياتهم الحزبية وغير مستعدين لتحكيم ما لديهم من الحكمة العقلانية، فتجدهم لذلك وذاك يتحولون إلى بيئة خصبة لنصرة التيارات الإٍسلامية والقبلية بوعي وبدون وعي وبقصد وبدون قصد تماماً كما حدث للكثير من ثورات الربيع العربي التي نجحت بدعم ومساندة الدول الديمقراطية الرأسمالية الليبرالية والدول العربية ذات الأنظمة الملكية الإسلامية غير الديمقراطية.. الأولى بدافع الحرص على الانتصار لليبرالية والثانية بدافع الرغبة في الخلاص من الأنظمة الجمهورية الارستقراطية.. لذلك لا غرابة أن تتحول تعز المشدودة إلى الثورة والدولة والوحدة والديمقراطية والتنمية الاقتصادية المستدامة والمواطنة المتساوية مرتعاً خصباً لأعمال النهب والسلب والقتل والتدمير بصورة مؤسفة ومحزنة على ما تقدمه من الشهداء في كافة المحافظات سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة.