بعد ثورة سبتمبر عشنا عقوداً ونحن جميعاً نلعن ظلام الإمامة ولم نحسن صناعة الشموع وإشعالها, وبعد الاستقلال عن الاستعمار البريطاني بفضل الله ومن ثم بفعل ثورة 14 أكتوبر عشنا نفس الحال من التغني برحيل المستعمر ونسينا أو تناسينا ما هو أهم من ذلك. لم تُغلق أبواب الصراع بعد الثورتين وشهدت الفترة الزمنية التي أعقبتهما صراعات أشد دموية سواءً داخل الشطرين سابقاً أو بينهما, وبعد كل وجبة صراع كان الجميع يخرجون يلعنون الإمامة والاستعمار ويعلقون عليهما أسباب الصراع ومسبباته, وعلى هذا المنوال مرت السنون والعقود وكأننا نبحث عن مبررات للفشل الذي اقترفناه بأيدينا وبإرادتنا, ونبحث عن مبررات أخرى للرغبة في استمرار الصراعات الدموية والحروب الأهلية وجرى الحديث عن بقايا الإمامة ومخلفات الاستعمار. مررنا بمنعطفات مختلفة وكان بالإمكان تجاوز ثقافة تصفية الحسابات واختلاق المبررات والتركيز على بناء الدولة كما ينبغي أن تكون وبما يجنبنا صراعات قادمة عنوانها شكل الدولة وبنيانها, وهو ما يحدث الآن ولا أستبعد أن يحدث لاحقاً مع تحوير في المسميات ليلائم المرحلة ذاتها. بالأمس الممتد إلى 14 أكتوبر و26 سبتمبر تحدث الجميع بلغة واحدة وبعقلية واحدة تجاه بقايا الإمامة ومخلفات الاستعمار رغم الخلافات الجانبية حتى وصلنا إلى نقطة ليفصح الجميع عن خطأ التصنيفات من ذلك النوع وقد بدا لنا بأن ثمة من يستغفر التاريخ من ذلك الخطأ, ولم يعد الحديث عن شيء من تلك التصنيفات يلقى قبولاً في ثقافة المرحلة الراهنة ومتطلبات السياسة الحالية. إذا لم تقم القناعات على أسس سليمة وحقيقية وتتشكل السياسات بأساليب علمية تتجاوز العواطف المرحلية قد نعود إلى دائرة التصنيفات السابقة ونضيف إليها من مسميات الحاضر وننشغل بها وبالتغني بمنجزات هي أيضاً وهمية طالما ظل الإنسان بعيداً عن البناء المعرفي والاجتماعي بما يعود عليه بالفائدة وعلى المجتمع ككل. علينا جميعاً إعادة صياغة التاريخ وفهم الأحداث وتحديد متطلبات الحاضر والمستقبل على أسس صحيحة حتى لا نعيد اجترار الماضي وثقافته دون وعي بانعكاسات هذا الأمر على البلد والناس. بدأت تلوح في الآفاق تصنيفات جديدة ومحاكاة كاملة لأساليب العقود الخالية في التعاطي مع الأحداث والناس، وهو ما ينذر بالمزيد من الأخطاء التي سنجد أنفسنا ذات يوم قريب نستغفر الله منها ونستغفر التاريخ كما يفعل البعض اليوم حين يستغفرونه من قناعاتهم الماضية والتي تعصبوا من أجلها ولها إلى حد التطرف. الاستغفار حينها لن يعيد ترتيب الأوراق ولن يعيد الأرواح التي ستذهب قبله جراء الأخطاء, والتغني بالانتصارات لا يصنع تنمية ولا يحقق شيئاً على أرض الواقع إن بقي هو سيد الصفحات والشاشات والمهيمن على الأثير.. بدأنا نلمس بذور نشوة وبوادر تنذر بالمتاعب, وثمة من يريد أن يكرس أسلوبه وطريقته في الحاضر والمستقبل ويزرعهما بالخلافات والأحقاد من الآن..!