ودعنا العام 2011م، والذي حفل بمتغيرات عدة بدءاَ من سقوط بعض الأنظمة العربية الواحد تلو الآخر وبصورة دراماتيكية غير مسبوقة، زين العابدين بن علي في تونس يترك كرسي السلطة ويرحل عن تونس بعد ما يقرب من 23 يوماً من الاحتجاجات الشعبية الصاخبة، ثم لحق به نظام حسني مبارك في قاهرة المعز والذي لم يصمد أكثر من 18 يوماً حتى سقط ورحل إلى مزرعة طرة أو معتقل طرة، تبعه نظام القذافي معمر، والذي رفض كل المفاوضات السلمية للخروج من السلطة وبسلام ثم قضى نحبه تحت أقدام الثوار الليبيين، وفي مشهدٍ مأساوي كان بإمكانه أن يتجنبه ويجنب الأشقاء في ليبيا سقوط ما يزيد عن ثلاثين ألف شهيد والآلاف من الجرحى والمفقودين، لكن إرادة الخالق جل وعلا اقتضت ذلك، ولحكمة ربما نجهلها نحن وهي تسبق إرادة البشر وفي كل حين.. وبين تلك الأحداث تأتي ثورتا اليمنوسوريا واللتان تأخر حسمهما لظروف وعوامل أخرى عديدة، قد نصحو في يومٍ من الأيام على وقائع وأحداث جديدة ومتغيرة، وإن كانت عزيمة وإرادة ثوار اليمنوسوريا ومعهم إرادة الله التي لا تقهر هي أعظم وأقوى شكيمة وعزماً وبعونه تعالى.. في الاتجاه الآخر كان الحدث الأبرز الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط هو انفصال جنوب السودان عن شماله وفي غمرة أحداث الربيع العربي الهائج الذي لم يترك للمتابع العربي حتى فرصة لمجرد التحليل والتعليق على ما جرى في السودان.. أحداث كثيرة رافقت الربيع العربي العاصف، منها: سطوع نجم الإسلاميين العرب في انتخابات المغرب وتونس وجمهورية مصر العربية، ويكاد المشهد يكرر نفسه في ليبيا في حال جرت انتخابات تشريعية يختار فيها الشعب حاكمه، والحق يقال إن المرحلة هي مرحلة التيارات الإسلامية، والتي همشتها الأنظمة العربية ولعقود عدة مضت وبدعم دولي، ولا أحد ينكر هذا، لكن بما أن الأمور قد آلت إلى هذه التيارات والتنظيمات فمن المفيد لها وللشعوب العربية الوقوف على مكامن الإخفاق ومراجعة السياسات العامة للدول، وقراءة الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي والتربوي العربي برمته، لأن سقوط أنظمة الحكم القديمة لا يعني أن الشعوب العربية كانت أو هي مؤيدة للتنظيمات الإسلامية قلباً وقالباً وإنما جاء وصول الحركات الإسلامية للحكم بعد تجارب كثيرة خاضتها شعوبنا العربية مع الأحزاب القومية والماركسية وغيرها من التنظيمات الوطنية ولم تصل الشعوب إلى أية نتائج إيجابية سواء في مجال السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو في المجالات الأخرى الصناعية أو الانتاجية والتربوية، لهذا وكأني بهذه الشعوب التي عانت الأمرّين تحت حكم العسكر والأحزاب الأحادية الجانب الفردية منها والمتعددة المسارات تقول فلنجرب هؤلاء الذين نجحوا في تركيا، على سبيل المثال، وحققوا نموا اقتصادياً غير مسبوق وفي فترة وجيزة من الزمن بعد أن كان اقتصاد تركيا في ظل حكم العسكر والنظام العلماني والأقرب للمجتمعات الغربية هزيلاً وشبيهاً بالاقتصاد العربي، وما إن جاء الإسلاميون إلى الحكم حتى تحقق لتركيا الكثير من الانجازات على المستويين الاقتصادي والسياسي، بل لا نبالغ إذا ما قلنا إن تركيا تشهد اليوم حراكاً اقتصادياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً غير مسبوق وقد ارتفع الناتج القومي لتركيا وإلى مستويات خيالية لم يكن الأتراك كشعب يحلمون بها مجرد الحلم ومن منا لم يسمع عن سعر العملة التركية قبل صعود نجم الإسلاميين وكيف أصبح الاقتصاد التركي اليوم وكم من المرات تضاعف مستوى دخل الفرد التركي خلال العقدين الماضيين؟ والفضل يعود بعد الله سبحانه وتعالى للحكومات الإسلامية المتعاقبة منذُ بزوع حزب نجم الدين أربكان في منتصف العقد التسعيني، ثم حظر نشاط الحزب والرجل، ووصولاً إلى حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان ورفاقه في درب التنمية والبناء، وللعلم حتى الجيش التركي العلماني عندما ربطت حكومة اردوغان رواتب الجنرالات بل كل موظفي الدولة التركية بالدولار حتى يعيش المواطن والجندي والمعلم والمهندس وكل فئات وشرائح الشعب التركي بمستوى معيشي محترم يتناسب والوضع الاقتصادي للوطن والفرد التركي عندها تكفل الجيش والشعب بحماية ودعم الحكومة الإسلامية وبلا حدود، ولم ينقلب العسكر العلمانيون على الحكومة الإسلامية لاحقاً كما حدث في التسعينيات وقبل ذلك في سبعينيات القرن الماضي.. لماذا؟ لأن رفاهية وحقوق الأفراد والشعب بأسره تحققت وتوفر للفرد التركي ما لم يكن يحصل عليه إبان حكم العسكر والدولة العلمانية، فالشعوب عندما تنقلب على حكوماتها، على الأنظمة المستبدة، هي لا تكون أصلاً تطمح لشيء في البدء غير توفير سبل العيش الكريم والعدالة الاجتماعية التي فقدتها مجتمعاتنا العربية وطيلة عقود مضت في ظل حكم العساكر والديكتاتوريات والذي نتج عنه هذه الثورات التي “لا تبقي ولا تذر”، بل لقد سمعنا وشاهدنا من يقول من شباب الثورة في مصر، وفي اليمن، وفي سوريا، وقبل ذلك في ليبيا وتونس. “فليتوارى هؤلاء من أمام أعيننا”، لم يعد بمقدر المواطن العربي حتى النظر أو مشاهدة تلك القيادات الصنمية التي عاثت في الأرض فساداً، وإفساداً فما بالكم بمن يريد أو لا يزال يحلم بمزاولة النشاط السياسي بعد هذا؟! وختاماً.. نقول.. هل البرامج والخطط جاهزة يا حكومات المستقبل؟ هل أنتم عند مستوى المسؤولية؟ هل بمقدوركم انتشال المواطن العربي من حال البؤس والعناء؟! هل أنتم مستعدون لمواجهة متطلبات المرحلة؟ احذروا فالشعوب العربية لم يعد لديها قوة تحمل طويلة ولن تمنحكم سنوات طويلة كما منحت السابقين لترى النتائج بل إن الوقت يمضي وأنتم مطالبون بتحقيق تنمية اقتصادية ونهضة علمية وإيجاد حراك ثقافي يتواكب مع متطلبات المرحلة القادمة فهل تدركون هذا ؟ الشعوب العربية لم تعد مستعدة لسماع الخطب والمواعظ والبحث عن ساحات أخرى لتفريغ شحناتها، فهل استوعبتم الدرس وقرأتم المشهد بصورة إيجابية واستعديتم للقادم بالفعل؟! نتمنى أن تكونوا جاهزين لمواجهة كل الاحتمالات، والأوطان لا تبنى إلا بتعاون وتكاتف جميع أبناء الوطن.