الأشخاص المتناقضون بطبيعة الحال هم أشخاص غير أسوياء، وتصرفاتهم أو أقوالهم المتباينة تعكس لدى الآخرين شعوراً بالاستياء الذي يصل إلى حد القرف. قبل نحو خمسة أشهر من الآن عاد محافظ تعز حمود خالد الصوفي من رحلة علاجية قضاها بين العربية السعودية وألمانيا مستلاً سيفه ضد أبناء مدينته من الشباب الثائر المتطلع إلى حياة حرة كريمة، واتهمهم بمحاولة بث الفوضى والنيل من هيبة الدولة. باستثناء “الصوفي” المنتمي إلى مديرية شرعب التابعة جغرافياً وإدارياً لتعز؛ لقي ثوار هذه المدينة تعاطفاً واسعاً بعد جريمة ما بات يعرف بمحرقة الساحة نهاية مايو الفائت، رفع حينها “سوطاً” وراح يجلد ضحايا المحرقة مدافعاً عن المجرمين والقتلة عبر القنوات الفضائية وبعض الصحف المحلية. بدا الصوفي وقتذاك كما لو كان يحاول الإيحاء للآخرين بأنه لايزال قوياً وصاحب الكلمة الأولى، فيما كان يعلم الجميع تماماً أنه صار بلا حول ولا قوة ولم يعد سوى “ديكور رث” في ظل وجود حاكم عسكري قوي ك«قيران» هو الآمر الناهي بناء على توجيهات عليا الهدف منها إخماد جذوة الثورة المشتعلة في هذه المدينة الحالمة. أدرك جيداً أن منصب “محافظ” في مدينة كبرى ك«تعز» يبدو مغرياً لدى البعض لكن هذا المنصب يغدو تافهاً حينما يجبر صاحبه على التجرد من آدميته ولعب أدوار قذرة تبرر للسفاحين قتل الأبرياء لمجرد أنهم طالبوا بحياة كريمة خالية من عصابة فاسدة مارست بحقهم أبشع سياسات القهر والتجويع طوال ثلاثة عقود من الزمن. بالنسبة لي بدا الأمر صادماً وأنا أقرأ ردود حمود خالد الصوفي في مقابلة أجرتها معه صحيفة «الوسط» الأسبوعية مؤخراً؛ واعترف خلالها - ربما دون قصد منه - أن محرقة الساحة جريمة دبّرت بليل وتم التخطيط لها مسبقاً. الصوفي الذي برر قبل شهور هذا العمل الإجرامي وقال إنه كان لتحرير الجندي المختطف، وفرض هيبة الدولة، نافياً حينها وجود أي ضحية، هو ذاته من يعترف اليوم بأن التخطيط لاقتحام ساحة الحرية الذي نفذ بعد مضي نحو (16) يوماً على مغادرته للعلاج في الخارج قد جرى الحديث عنه مبكراً قبل سفره بفترة واعتبر ذلك بمثابة التحدي السافر له شخصياً قبل أن يكون عملاً لا أخلاقياً ولا إنسانياً (على حد قوله). هل يحاول الرجل أن يثبت في الوقت الضائع أن قلبه على تعز وأبنائها.. فلماذا إذاً قبل على نفسه وهو الأديب والمثقف تقمص دور المحامي الفاشل عن أشخاص يدرك جيداً طبيعة المهام التي جلبهم النظام إلى تعز من أجلها في تناقض فاضح لا يعكس في حقيقة الأمر سوى حقيقتين إما شعوره أي (الصوفي) بحالة ضعف شديد أصابته جراء ممارسات سلطوية بحق أبناء مدينته لم يكن راضياً عنها البتة لكن مقتضيات المنصب أجبرته على السكوت أو صحوة ضمير متأخرة. الحقيقة التي لا جدال فيها أن المحافظ الصوفي في الحالتين ارتكب خطأ فادحاً ومعصية عظيمة بحق تعز التي أرضعته حليبها حتى صار إلى ما هو عليه اليوم؛ وليس بوسعه إن أراد التكفير عنها سوى الإقدام على فعل قد يعيد إلى الأذهان صورته كرجل قوي كما كنا نعتقده. كم كنت أتمنى وغيري كثيرون أن يأتي قرار إقالة مدير الأمن عبدالله قيران منه شخصياً لا بتوجيهات من السفارة الأمريكية كما قيل. أمام حمود خالد الصوفي الآن فرصة ذهبية للتكفير عن ذنبه بحق مدينته الحالمة؛ إن لم يكن بمحاسبة مجرمي المحرقة فبكشف أسماء المتورطين أمام الرأي العام، والإفصاح عن كل التفاصيل التي بحوزته حول هذه الجريمة الشنعاء، حتى يرضي ضميره أولاً ويبرئ ذمته أمام الله والناس ثانياً؛ خاصة أنه اعترف أن الحديث عن هذا الفعل القبيح اللا إنساني قد دار منذ وقت مبكر، وأنه كان معارضاً لفكرة اقتحام الساحة. أتمنى أن يمتلك الصوفي الشجاعة الكافية للإقدام على هذا الفعل.