“.. ومستقبل اليمن يقرر خارج اليمن.. غيرنا يقرر مصيرنا، أما نحن اليمنيون فمهمتنا أن نقف مع فريق ضد آخر”.. هذا ما قاله لي زميل يمني (رياض نجيب الريس). البرفيسور البريطاني روبرت شارب - المحاضر بجامعة وزارة الدفاع الأمريكية - هو من أبلغ الصحفي منير الماوري في واشنطن حول الموعد النهائي لمؤتمر اليمن وخيار الفيدرالية.. رغم أن موضوع الفيدرالية مثار اهتمامه وقراءاته والحلم الذي ينشده لبلده... كما ورد بقلم الماوري في مقالة اليمن وخيار الفيدرالية “1”. فما يثير حفيظتي هنا: لماذا يكون مصدر المعلومة الهامة للماوري من البنتاجون ولم يكن المصدر وطنياً؟. ففي الوقت التي تعكف فيه اللجنة التحضيرية للمؤتمر بالاجتماعات مع سفراء مجموعة الدول المانحة والخبراء العالميين والعمل على استضافتهم في المكلا لعرض تجاربهم والتعريف بالنظم الفيدرالية، هناك من يعمل في الواقع لبسط نفوذه مستبقاً توصيات المؤتمر، مستلهماً النظم الفيدرالية على أساس ديني مذهبي يقسم اليمن بين الشيعة والسنة مستنسخاً التعريف الأمريكي للفيدرالية العراقية، فالواقع في صعدة وما يجري في رداعالبيضاء المحاذية لأبين على امتداد شبوة، وكلها مناطق متماثلة المذهب يوحي بأن هناك تنسيقاً لتوزيع الألوان المذهبية والحراك المبرمج، فهل هذه هي الفيدرالية التي ننشدها؟ أم أن جميعهم أدوات آلية لا غير تعمل بريموت البنتاجون؟. أحسب أني من المهتمين بالفيدرالية كخيار يتلاءم والخصوصية اليمنية، وتابعت باهتمام عمل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، واعتنيت بإعداد دراسة علمية متكاملة حول الفيدرالية وضرورتها لقيام الدولة المدنية في اليمن.. وفقاً للمحاور والشروط المعلنة فجاء رد اللجنة التحضيرية: (إن اللجنة التحضيرية قد أقرت عدم تقديم أي أوراق حول المسارات المستقبلية لليمن، ويركز فقط حول التعريف بالنظم الفيدرالية وعرض لتجارب دولية )!!. ألا تدرك اللجنة التحضيرية بأن المستقبل هو ابن اليوم، ونحن اليمنيون وحْدنا من يعنينا مستقبل بلادنا أم أن الابن قد خلق ورسم خلف سبعة أبحر وقد نسبه الخبراء والأوصياء لليمن؟. وهل تحشد الطاقات من كل العالم من أجل التعريف بالنظم الفيدرالية واستعراض التجارب؟. إن فكرة النظام الفيدرالي كأحد الحلول لكثير من القضايا الراهنة وسبيل لبناء اليمن الجديد برؤية عصرية يجب أن تأخذ حقها ودراسة مميزاتها وإمكانية تطبيقها على الواقع دون قبولها أو رفضها لمجرد مسماها أو تأويلها على نقيض مفهومها. فهناك من يستقون معرفتهم عن الفيدرالية من مفاهيم أيديولوجية أو عقائدية أو من الإعلام الموجه، ويتساءل الثائر اليمني وهو يرى هذه الإثارة والعالم حر يعيش في كرنفال بهيج بالمظاهر المصحوبة بالراحة والمتعة الإنسانية العميقة لدى المواطن سواء كان في أوروبا أو سائر العالم الغربي.. طبعاً لا يوجد الكمال المطلق, والكمال لله وحده, ولكنا نحكم بالمنظار النسبي. فقد سار الشباب اليمني على طرق التضحيات وافترش الساحات والتحف السماء ومشي على النار وروى أرضه من دمه ليصنع ثورة الحرية والتغيير التي تعيش مخاضاً عسيراً كي يحقق حلم الديمقراطية ويثبت وجوده على الخارطة الإنسانية كشعب سليل حضارة خالدة وأصل العروبة الذي يناضل لينتصر لإنسانيته، وليقدم للإنسانية درساً عظيماً لما يجري له من قبل مستبديه... إن الموت يهون في سبيل تحقيق الحرية. فالنهج الفيدرالي، إنما هو نظام شامل للحياة ينعكس على كافة مرافق الدولة والمجتمع على السواء، فهو ابتداءً رؤية واقعية يسهم فيها المجتمع عن قناعة أن الدولة التي تريد تطبيق هذا النظام لابدّ أن تركز هذه المفاهيم في الدستور أولاً؛ كونه الإطار القانوني العام، وأنه الرؤية التي تعتمد الاقتصاد كأساس للحياة السياسية، الاجتماعية، التربوية، الثقافية، القانونية، لهذا المنهج، القائم على قاعدة الأرض والإنسان. الفيدرالية ليست مواد تكتب في الدستور والقانون وليست استنباط خبرات مغايرة ومستوردة إنما هي ممارسات عملية وتجارب وخبرات تتكون على مر الزمن؛ لأنها برنامج سياسي اجتماعي وإداري شامل وتنظيم لنواحي الحياة في المجتمع... وسأتجنب الخوض في الجانب التاريخي لنظام الحكم في اليمن لفقهاء التاريخ وأربابه لتوضيح صفحاته المشرقة التي اعتمدت على نظام الحكم الفيدرالي بمسمياته التاريخية الإسلامية العربية كالمخاليف وأقاليم اليمن.. فلن نصل إلى إقامة النظام السياسي دون الإلمام بتاريخ اليمن القديم أولاً وما رافق ذلك التاريخ خلال مراحله المختلفة من تقدم وتدهور وازدهار وانحطاط وقوة وضعف.. وعلاقة كل ذلك بأنظمة الحكم التي كانت سائدة خلال تلك الفترات التاريخية. قد نمر على حقب سادها الظلم والاستبداد، ذلك يحتم علينا اليوم تعديل مواد دستورية وقانونية ترسخ الحكم الفردي المستبد، وأن نعتمد على ذواتنا ثانياً.. وألا نقبل بالترميم والحلول المؤقتة والوصاية. فالفيدرالية ليست نظرية صرفة ونموذجاً متكاملاً بقدر ما هي أفكار تتجسد من واقع إدارة بعض البلدان تبعاً لاحتياج الحداثة والتطور والبناء، وما يناسب هذه البلدان قد يختلف عنا فنحن بحاجة ملحة إلى: • تأهيل الأرض وإعمارها والاستفادة من خيراتها. • سد الحاجة لإيجاد نظام يستطيع كل إقليم أن يكون جزءاً حيوياً متماسكاً بالنسبة للجميع، على قاعدة الأرض والإنسان، الأرض كمساحة للإنتاج والإنسان كقدرة ومهارة، وتحقيق المواطنة المتساوية من خلال المشاركة في إدارة الأقاليم والاستفادة من الخيرات لما يعود بالمنفعة لليمن أرضاً وإنساناً. وذلك لن يكون مجدياً إلا بإعادة صياغة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحزبية، بما يضمن حياة كريمة للمواطن اليمني على كامل التراب الوطني وبوجود أحزاب سياسية قوية وفاعلة على الواقع، وامتلاك القوة والقدرة على اتخاذ القرار السياسي دون الارتهان إلى أية جهة، بما يحقق الاستقلال وحرية القرار، وإعادة صياغة الحياة السياسية والوصول إلى تطبيق النظام البرلماني بنجاح وفقاً لمنهج وجدول زمني، مرهون بالتالي: • إجراء التعديلات الدستورية التي تكفل ضمان الحريات وتعتمد الفيدرالية كنظام، • تداول الثقافة الفيدرالية وتبنيها لنجاح النظام الفيدرالي.