بعد انتهاء الثورة الصينية الكُبرى بقيادة الحزب الشيوعي الصيني وجدت الدولة الجديدة موروثاً مُقلقاً تمثّل في الأفيون المنتشر بين الصينيين، والذي كان ينال رعاية ضمنية من حكم “ الكومينتانغ” اليميني الاقطاعي المتوحش، فقد تحول إدمان الأفيون في تلك الأيام إلى ثقافة مجتمعية تطال الاقتصاد والعوائل ودخول الناس، ولأن الثورة الماوية الصينية اتسمت بقدر كبير من «النيتشويّة» الممارسية استناداً إلى تبرير العنف الذي وقع على موروثات العهد السابق، فقد قرروا مرة واحدة ودونما تردد التخلص من الأفيون وما يرتبط به من تشبيكات معقدة. ولأن الأفيون نبات مخدر لا يقل خطورة وشأناً عن القات، ولأنه في صين ما قبل الثورة مثّل رافعة يومية في التداول الحياتي المجتمعي، وكذا الاقتصاد الصيني، ولأن القات يتشابه مع الأفيون في جوانب معينة يعرفها علماء النبات، ولأن القات يسيطر على سوق التداول النقدي اليومي في اليمن بوصفه أهم وأغلى سلعة تُباع، بالإضافة إلى تفشي السموم القادمة من سماد «اليوريا» القاتل المُستخدم في بلادنا خارج نطاق المعايير الدولية، ولأن القات ارتبط بمنظومة معقدة من التشبيكات المجتمعية متعدد الأطراف والأبعاد ،ولأنه يلتهم وقتاً ثميناً، ويدمر أجساداًً فتيّة، وينافس البشر في أرزاقهم .. لهذه الأسباب مجتعمة أرى أن مشكلة القات في بلادنا لا تقل خطورة عن مشكلة الأفيون الصيني، إذا قرأنا المسألة بمنطق علمي بحت، ولاحظنا طبيعة الأسمدة السامة التي تستخدم في زراعته، ومدى تأثيره على الأرض الزراعية والمياه الجوفية. أنا من متناولي القات منذ ستينيات عدن البهية، ولست ضد القات بوصفه نبتة طبيعة نخبوية تعزز أواصر الاجتماع بين الناس،ولكنني ضد تحوله إلى وباء مؤكد، شاهده الأكبر الإصابات الواسعة بالفشل الكلوي، والتسمم الكبدي، والسرطانات. هذه ليست دعوة لاجتثات القات على طريقة ثورة الأفيون الصينية، بل للتعامل معه ضمن إطار رؤية إصلاحية شاملة تبدأ بتسريع اللامركزية الشاملة، وتسمح بالتشريع المحلي في كل المحافظات، وتدخل الجميع في مباراة حرة للتعامل مع هذا الداء، فبوسع المحافظة الزراعية المتضررة من زراعة القات الاكتفاء بإحضاره من مناطق الجمهورية الأخرى، وبوسع المجالس المحلية مباشرة قوننة وترشيد القات، بل حتى منع القات بحسب التوافق المحلي المترابط مع المصلحة العليا، وبوسع الخبراء والمختصين دراسة آثار القات على قاعدة التعامل الاختياري المحكوم بنظام الحكم المحلي كامل الصلاحيات، كمنطلق تجريبي نحو الدولة الاتحادية الناجزة . آن الأوان للشروع عملياً في إعطاء صلاحيات فعلية للمجالس المحلية الراهنة، وعدم اعتبار أي إصلاح محلي خروجاً عن السيادة بحسب ادعاءات المهرطقين. لا فرق عملياً بين قات اليمن وأفيون الصين، تماماً كما لا فرق بينهما وانتشار السجائر على نطاق واسع، وليس المنع بذاته حلاً، بل التدابير المنطقية المدروسة، كما فعلت بريطانيا مع السجائر ونجحت في تقليص استهلاكه إلى أدنى حد ممكن من خلال الضرائب التصاعدية الاستثنائية التي جعلت مُدمني السجائر يفكرون ألف مرة قبل شراء علبة السجائر، ويتراجعون عن شراهتهم في تدميرأنفسهم.