تدير طهران معركة دبلوماسية غاية في الصعوبة والتعقيد بعد أن أفلحت الإدارة الأمريكية في جرجرة النظام الإيراني إلى إستحقاقات التوقيع التقليدي على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ومن المفارقات أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم توقع على هذه المعاهدة، ولم تواجه حتى اللحظة أي ضغوط تذكر تلزمها بالتوقيع، والسبب في ذلك معروف بالطبع، فالغرب السياسي يعتقد أن اسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وأنها دولة مؤسسات وقانون لا ينفرد بقراراتها الاستراتيجية زعيمٌ أو رئيسٌ أو ملكْ، ولهذا السبب يرون أن إسرائيل ليست في وارد استخدام السلاح النووي، والعكس صحيح بالنسبة لإيران . ويتّضح مدى تهافت هذا الإستنتاج إذا عرفنا أن باكستان «الدولة الإسلامية» التي امتلكت سلاح الردع النووي ليست مُطاردة ولا مُطالبة بالحد من تصنيع هذا السلاح، ناهيك عن تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي يفسّر نظرية المكاييل الأمريكية الكثيرة في النظر إلى المسائل الإستراتيجية . الواضح الآن أن إيران تناور وتداور كسباً للوقت حتى تؤمن إنجاز العتبة الدقيقة الفاصلة بين تصنيع السلاح الفتّاك، واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، ولهذا السبب لا يمكن لإيران أن تتنازل طواعية عن إنجاز علمي يُكسبها مكانة ومنعة تستشعر حاجته الماسّة اليه، خاصة وأن إيران محاصرة بوجود أمريكي فاعل في العراق وافغانستان، بالإضافة الى سلاح الدمار الشامل المتوفّر للدولة اليهودية في فلسطين. من خلال الرد الإيراني على حقيبة المقترحات الأوروبية القديمة جعلت طهران الباب موارباً، حتى أن معركة الكر والفر الدبلوماسيين، بين أمريكا من جهة وإيران من جهة أخرى تتوازى مع معركة أخرى أدْهى وأمر، بين إيران وإسرائيل، وهي معركة بدأت شواهدها التحضيرية واستعداداتها العملية، مما يضع المنطقة برمتها على صفيح ساخن. والسؤال المقلق الذي يراود الآن كل المراقبين يتلخّص في مدى استعداد الإدارة الأمريكية لتدوير جنونها الكبير بفتح جبهة ساخنة مع إيران، ورغماً عن الموقفين الروسي والصيني الرافضين لاتخاذ إجراءات عقابية مؤلمة ضد طهران؟. [email protected]