لم تكن تلك العاصفة الهوجاء كفيلة فقط باقتلاع الأرواح من أجسادها وإنما كان لها دور أيضاً في تعميق فلسفة التغيير التي حدثت نتيجة للديناميكية القوية التي سببتها العاصفة على حين غرة من أهلها! كان لكل وطن من أوطان الثورة رمز يمثل ثورته، وكان نصيب ثورتنا أن تكون ثورة «أبو “دبّة»، فمن دبة البترول إلى دبة الغاز إلى دبة الماء إلى سواها من تلك القناني البلاستيكية المعبّرة عن ثورة جافة ونظيفة وسلمية من كل الشوائب ما عدا شائبة التوتر والتعصب التي لا ترضاها منهجية الثورات، لأن الأصل أن تقوم الثورات على مبدأ العموم والشمولية، لكن ولأننا وطن الاحتمالات الجائزة فكل ما يحدث عندنا ممكن ومعقول جداً! وبالعودة لموضوعنا الشعبي نجد أن أزمة «الدباب» مازالت قائمة ومستمرة وتعجز حكومة الوفاق عن حل عقدتها بالرغم من الضغط الشديد الذي سببته للمواطن، فارتفاع سعر دبة الغاز مثلاً دفع بالكثير من المواطنين إلى الاعتماد على الحطب كوقود مؤقت وأقل سعراً من دبة الغاز التي وصل سعرها في فترة من فترات الثورة إلى ما يقارب الخمسة آلاف ريال، وحتى إن كان سعرها اليوم قد انخفض إلى ثلاثة آلاف ريال فإن ذوي الدخل المحدود الذين هم غالبية الشعب مازالوا يعانون هذا الارتفاع في منتج استهلاكي من المفترض أن يكون على قائمة المنتجات الشعبية المدعومة حكومياً للتخفيف من معاناة الناس، حارات ومناطق أيضاً تشكو عدم تزويدها بماء المشروع والحجة أنها كانت مع أو ضد النظام بينما تنعم حارات ومناطق بوجود المشروع باستمرار، والسؤال: هل يعلم القائمون على مشروع المياه ذلك التوجه السياسي لكل بيت من بيوت الجمهورية؟! ألا يعلم هؤلاء أن انشطاراً عسكرياً ودينياً وسياسياً أعقبه مباشرة انشطار أسري على مستوى البيت الواحد؟! فهل معنى ذلك أن يستحم المعارضون ويبقى الثوريون دون استحمام أو العكس؟!! دبة البترول التي تسببت في وجود قتلى المحطات وحوادثها أظهرت بعد ارتفاع سعرها بشاعة البعض وسوء نواياهم في استغلال الأزمات لصالحهم.. أضف إلى ذلك أن هذا الارتفاع الجنوني في سعر البترول أدى إلى تثبيت سعر الراكب وأصبح هناك من يعتمد على قدميه في إجراء مشاويره اليومية، والمشكلة أن طلاب وطالبات المدارس والجامعات وجدوا أنفسهم أمام خيار واحد تناول طعام الإفطار في المنزل والاستفادة من مصروفهم اليومي للمواصلات فقط! فهل تستطيعون أن تتخيلوا كيف يقضي يومه إنسان أو إنسانة من ذوي الدخل المحدود ماشياً طوال اليوم على قدميه ثم لا يجد كفايته من الماء لينعم بحمام الظهيرة الدافئ يتناول طعاماً نصف مطبوخ لتحقيق سياسة الاقتصاد المنزلي حتى لا تنفد دبة الغاز التي يحصل عليها بشق النفس؟! هل تتخيلون ذلك؟!! لعن الله السياسة كم رفعت وأخفضت، وكم وارت وأظهرت، وكم تجبرت واقتدرت حتى صورتنا عبيداً في طوابير تحاصرنا بسلاسل الحاجة وتكبلنا بقيود الاضطرار.