الاغتراب عن الوطن اليمني ليس ظاهرة حديثة، بل قديمة قدم التاريخ الإنساني، فقد كان اليمنيون رواداً في المهجر وشكلوا نموذجاً بالغ الأهمية في بلد الاغتراب، وجسدوا روح الولاء لوطنهم اليمن وعززوا مفهوم التلاحم الوطني، وكانوا رافداً اقتصادياً داعماً لليمن، وكانت عائداتهم الاقتصادية عاملاً من عوامل التحديث والتطوير التي تحققت عقب الثورة اليمنية المباركة سبتمبر وأكتوبر. إن حالة الاعتزاز بالوطن التي يتمتع بها اليمنيون في بلاد الاغتراب لا يعرف قوة تأثيرها إلا من كان قد اغترب عن بلاده وكانت أحاسيسه ومشاعره وأفكاره في الوطن، فالاغتراب الذي يحدث لليمنيين هو اغتراب الجسد فقط أما أحاسيسهم ومشاعرهم وأفكارهم لم تبارح اليمن على الإطلاق، بل تظل لصيقة الأرض بكل مكوناتها الجغرافية من جبال وهضاب وواحات ووديان وصحارى وسواحل وجزر وبحار وكل ذرات المكون الطبيعي للأرض اليمنية. قد يقول قائل : إن هذا الكلام نظري يعتمد على فلسفة المشاعر الذاتية لمجرب خاص تجربة الاغتراب سنين طويلة لم تفارقه صورة الأرض اليمنية لحظة واحدة، وهذا يعني الخصوصية التي يصعب تعميمها على الكل، غير أن الواقع يقول غير ذلك، فالمغترب اليمني عبر التاريخ له سجل حافل بالارتباط بالوطن، بل استطيع القول: أن الأزمة السياسية التي عاشها اليمنيون واحدة من أعظم المشاهد الحية على أحاسيس المغتربين وقوة ارتباطها بالوطن، فقد كان المغتربون ومازالوا يعيشون تفاصيل الأزمة التي عاشتها اليمن بقلق لم يبلغه المواطن الذي يعيش في قلب الأزمة اليمنية الخانقة. وما الاتصالات المكثفة التي ترد إلى اليمن من بلاد المهجر، وما السؤال الذي يلهث المغتربون خلف إجابته عبر مختلف وسائل الاتصالات للاطمئنان على وطن الإيمان والحكمة إلا علامة بارزة على ارتباط الإنسان اليمني بثرى الوطن، ولعلي أتلقى العديد من الاتصالات والرسائل من المغتربين الذين يعبّرون عن عظيم ولائهم لهذا الوطن، فألف تحية لكل من أعطى الوطن حقه من قوة الولاء وعظيم الانتماء وذلك شرف لا يبلغه إلا العظماء.