بدأت هذه الايام الاصوات تتعالى والدعوات تتابع من قبل اولئك الذين كانوا لا يعترفون بالآخر ولا يقبلون حتى بالتفاهم او التحاور معه..مشددين على اهمية فتح صفحة جديدة ونسيان الماضي وهم الذين كانوا يرفضون خلال الفترة السابقة مثل هذا التوجه عندما كانوا يشعرون ان زمام الامور مازال بأيديهم .لكن عندما اصبحت الغلبة للشعب ممثلا في شبابه اصحاب الفضل في التغيير ، غيروا رؤاهم وافكارهم علهم يجدون لأنفسهم مكانا يجعل منهم حاضرين في المشهد السياسي ..غير مدركين ان الماضي لايمكن نسيانه لأن الحاضر لا ينطلق الا منه والمستقبل يؤسس له الحاضر بسلبياته وايجابياته. ان الهدف من هذه الدعوات المتسارعة واظهار المسكنة والتسليم بالامر الواقع من قبل من كانوا سببا في معاناة شعب بأكمله لايعني أنهم يؤمنون بالتسامح والدخول في مرحلة جديدة تجب ما قبلها .. وانما يقومون به هو خوفا من فتح سجلات الماضي التعيس والاطلاع على ملفاته السوداء وما اكثرها .. وهي ملفات لا تقتصر فقط على قضايا فساد مالي واداري وسياسي وانما هناك ملفات خطيرة لو ظهرت لاكتشف اليمنيون ان بلدهم اصبحت مرهونة للخارج بقرارها السياسي والاقتصادي وبيع ثرواتها لتصل ماتبقى من عائداتها الى جيوب اناس معينين واكبر مثال ماحصل بالنسبة لتصدير الغاز وميناء عدن وملف الحدود والنفظ ونهب المساعدات التي تقدمها بعض الدول لليمن .. وكيف كان البعض يتصرف وكأن اليمن قد اصبحت ملكا له كمزرعة خاصة واهلها كالعبيد لا يحق لهم ان يعترضوا على شيء .. بدليل ان الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي اجبر على ترك السلطة بعد ان رفع ملف اليمن الى مجلس الامن ظل يفاخر لسنوات عدة انه لا يوجد بديل له بين خمسة وعشرين مليونا من البشر هم سكان اليمن .بل ولا توجد في نظره يد امينة يسلمها السلطة وهذا لعمري قمة الاحتقار لشعب بأكمله.. كما كان الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك يفعل ، الذي قال انه لايوجد مواطن مصري واحد من بين ثمانين مليونا هم سكان مصر العروبة يصلح ليكون نائبا له لأنه اساسا كان يعد ابنه جمال لهذا المنصب. واليوم نجد هذا الحاكم بأمره الذي روى احد المقربين منه انهم كانوا يهابون النظر الى عينيه ولايسمح لأحد ان يرفع صوته امامه يجرجر على نقاله اثناء محاكمته بينما ابناه جمال وعلاء وكبار مساعديه يقبعون وراء القضبان بفضل انتصار الارادة الشعبية التي هي من ارادة الله التي لا تقهر . لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو : لماذا لا يعتبر الحكام العرب وحاشيتهم بما حصل لمن سبقهم ؟ ويدركون ان حاجز الخوف قد انكسر وان المواطن التونسي محمد البوعزيزي الذي تحول الى بطل قومي حينما ضحى بنفسه من اجل ان يفتح طريقا سالكا للشعوب العربية ممثلة في شبابها للخلاص من الظلم والاستبداد قد جعل كل شاب عربي يتمثل شجاعته ويرفض ان يعيش ذليلا كما عاش آباؤه واجداده لأنهم كانوا طيبين فاستخفوهم الحكام فأطاعوهم وكانت النتيجة كارثية على الشعوب وعلى الحكام انفسهم الذين ربما انهم لايؤمنون بحقيقة الموت لاعتقادهم بأنهم اصبحوا مخلدين !! بقي ان نقول: ان اي نظام في العالم مهما كان سيئا الا انه يورث بعد زواله مؤسسات حكم يمكن البناء عليها والاستفادة من ايجابيتها .. لكن في اليمن ورث لنا النظام السابق ثقافة الفيد و الفساد الاداري والمالي والسياسي .. اما مؤسسات حكمه فهي مؤسسات شكلية بدون اي مضمون تتمثل في اليافظات المعلقة على ابوابها رغم ان الفرصة التي اتيحت للرئيس السابق علي عبدالله صالح لم تتح لأي حا كم قبله من حيث الامكانيات ومن حيث الفترة الطويلة التي قضاها في الحكم كان بإمكانه خلالها ان يبني دولة المؤسسات ليدخل بها التاريخ من اوسع ابوابه لكنه ابى الا ان يفعل العكس تماما فخلف لليمنيين الفوضى في كل مكان والله يعينهم على اعادة بناء ماتم تهديمه