عندما تحل الحرب الأهلية في بلد ما، فإن فرقاء تلك الحرب سرعان ما يحيلون أسبابها الى عوامل إقليمية ودولية، متناسين أن السبب الجوهري والمقدمات الحقيقية لتلك الحروب إنما تأتي من داخل تلك البلدان لا من خارجها .. غير أن العاملين الإقليمي والدولي يلعبان دوراً مؤكداً في مقدمات الحرب وأثناء اندلاعها لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بالمصلحة المباشرة في ذلك البلد المنكوب، ومنها مايتعلق بالحسابات التوازنية الإقليمية والدولية . إذا قرأنا حالة راهنة كالتي نراها في الصومال سنكتشف دون أدنى عناء أن نظام الرئيس الراحل محمد سياد بري مهد للاحتقان الكبير في المجتمع سواء عبر سياساته الإقليمية المغامرة أو سياسته الداخلية التي خلت من الحكمة والعدل، فكانت النتيجة فراغاً فتح الباب لأُمراء الحرب والمنتفعين الجدد من يرفضون قيام الدولة ومأسسة المجتمع . في الحرب الأهلية السودانية نجد ذات المعادلة المرتبطة بإخفاق النخب السياسية الحاكمة وتكريسها للمفارقات المجتمعية في بلد كبير متعدد الأعراق والثقافات، فكانت النتيجة ما نراه ماثلاً الى يومنا هذا. النخب الحاكمة كثيراً ما لجأت الى التبرير والحديث عن مؤامرات الأعداء والطامعين ممن لا يرضيهم استقرار أوضاع بلدانهم، لكن هذه النخب نستْ أو تناست أن الآخر السياسي يسعده أن يستفيد من اخفاقاتهم وأن ينال ميزات جيوسياسية نتيجة هذه الاخفاقات، فليس لدى اثيوبيا أي مانع من الاستفادة من أخطاء النخب الحاكمة في الصومال، وليس لدى الهند أي مانع من أن تستفيد من أخطاء النخب الحاكمة في باكستان . نظرية الأواني المستطرقة تكتسي قيمة خاصة في أحوال البلدان المُصرّة على فتح فجوات كبيرة في مجتمعاتها، مما يعطي الآخر الإقليمي والدولي فرصة سانحة لتحقيق مآربه وتمرير مخططاته. ولا يقع الخطأ على ذلك الآخر، بل على من أباح نفسه وتخلّى عن مقدراته وأسباب منعته كما يتجلى الحال في السودان أو الصومال أو العديد من البلدان المؤهلة لذات المصير المظلم. إذاً لا معنى لتحميل الآخرين مسؤولية ما تؤول اليه أوضاعنا طالما سلمناهم المفاتيح والشفرات السرية للولوج الى دواخلنا واغتيال أمانينا. [email protected]