السيناريو الذي جرى في الصومال على عهد سياد بري، يذكرنا بما جرى ويجري في بلدان عربية مشابهة، فالوحدة الصومالية الطوعية التي تمت بعد استقلال الشطرين الجنوبي والشمالي تحولت عند الشماليين إلى نزعة انفصالية حادة في الاقليم الشمالي «هرجيسا ونواحيها»، بعد أن تأكد الشماليون أنهم إضافة اعتيادية لملايين المسحوقين الجنوبيين، وكان من الطبيعي - والأمر كذلك - أن يستنجد الشماليون بموروث حنينهم للفترة الاستعمارية الانجليزية التي سبقت استقلال الشطرين ووحدتهما. واليوم وبعد مرور أكثر من عقدين على الحرب الأهلية المدمرة في الصومال الجنوبي مازال الشماليون يعتبرون أنفسهم خارج التسوية والدولة الافتراضية. هذه القناعة تعيدنا الى تلك الحقيقة المريعة، فبعد أن عبّر بعض الشباب في الاقليم الشمالي عن رفضهم لنظام سياد بري ، جاء رد النظام سريعاً وحاسماً ولسان حال الجنرال يقول: لا بد من ضرب المتمردين في أوكارهم. وهكذا تم قصف مدينتي “ هرجيسا وبرعو” بالطائرات والدبابات، وكانت النتيجة التي لم يتوقعها أشاوسة النظام. لقد بدأت متوالية رفض شعبي تطاولت حتى وصلت إلى تخوم العاصمة الحصينة “ مقديشيو” مُؤذنةً بالسقوط المريع للدكتاتور ونظامه. ولكن، ويا للحسرة. بدأت متوالية الحرب الأهلية العدمية التي راهن عليها الدكتاتور لتجعل الصومال مثالاً نمطياً لفشل الدولة والنخب السياسية، ولتحولها إلى ساحة مفتوحة لتجارة المخدرات والسلاح والقرصنة الإقليمية والدولية. يتخوّف البعض من سيناريو “ الصوملة”، لكن تواريخ الشعوب لا تتشابه في المصائر، بل في المُقدمات، ولمن أراد معرفة الجغرافيا السياسية التي تشكل المُقدمة لما بعد التغيير أن يقرأ ما سطره علماء التاريخ الأفذاذ، حتى يتيقّن من أن التغيير لا يعني الدمار بالضرورة. [email protected]