لعب الرئيس الصومالي سياد بري على أوراق متعددة، نذكر منها مثالاً لا حصراً ورقة القبائل الصومالية، وتشجيع التنافس السلبي بينهم، ثم ورقة الجيش والأمن الذي استخدمه الى آخر مداه، وخاصة في حربي هرجيسا ومقديشيو، ثم ورقة المال والإفساد، فقد عُرف عنه أنه كان الآمر الناهي، وكانت كلمة منه تحيل الفقير غنياً، والعفيف متسولاً، والمتأبّي خاضعاً. كان سياد بري على يقين بأنه يُسيطر على الأوضاع، وأنه جمع القوة والمال والنفوذ، وأضاف إلى كل ذلك تمكينه لأسرته النووية الصغيرة من الإمساك بالمقدرات كافة، وتحويل قياديي وموظفي الدولة إلى مجرد بيادق يحركها كيفما شاء ووقت ما يشاء. لكن كل هذه التدابير الميكافيلّية، والنزعة المركزية المُشخْصنة في الذات المُترعة بالعنجهية، والعنف المقرون بالإعدامات والسجون، والمال المتدفق بالترغيب .. كل هذه الأمور لم تفلح في إنقاذه ونظامه .. فقد أخذ التاريخ مجراه. لقد تأبّى الدكتاتور على النصيحة والمراجعات، بل كان يبطش بمن يصارحه القول، فلما وجد نفسه في لحظة فاصلة من الدهر أمام تنين الحقيقة الشاخص، جمع الناس في ملعب الكرة بالعاصمة مقديشيو ليعلن سلسلة من اجراءات الإصلاح غير المسبوقة، لكن الشارع والنخب رفضوا تلك الوعود السخية لإدراكهم التام بأنها وعود مُخاتلة، ووسيلة أخيرة لكسب الوقت، فكان ما كان من تاريخ أسود سرى في الزمان. نستعيد هذه السيرة الوامضة لسياد بري حتى نرى بأم أعيننا ما يجري في المنطقة العربية، مُتعجبين من استمراء المُستبدين للإقامة في ذات المقدمات القاتلة، بل والإصرار عليها. [email protected]