مجمل الكتابات التي أعلنت وجاهرت بحملتها الشعواء على الجنوب وشعب الجنوب هي للأسف لا تخلو من التهديد والوعيد وتأليب الشمال على الجنوب في تحريض ممنهج ومقيت..! الكتابة بهذه الصورة تصبح إرهاباً.. فلم نجد فكرة سوية أو رأياً للنقاش، بل “لهجات” ممقوتة بأفكار ظلامية مستبدة تقود إلى دورات دموية وتنشئ بؤراً لتخصيب الكراهية والتعصب وإلغاء الآخر. وهذا الإتقان في الهذيان والجدل العقيم، لا ينتج إلا مزيداً من الغموض.. ومزيداً من التعقيدات والاضطرابات.. ومزيداً من المتاهات السحيقة في اللاوعي وغياب الحكمة. يطل علينا هؤلاء بمواعظ من لديه إيمان بشكل الوحدة الحاليّة، ويعتبر أن كل دعوة لتصحيحها هي عمل من رجس الشيطان، وأنه رأي نابع من ثقافة انفصالية مرتدة ينبغي رفضه وعزله وإقصاؤه، وإن لم يكن فقتل من يحملون هذا الرأي!؟ ولئن كان هؤلاء يدركون، أو لا يدركون، بأن الآخر موجود ويفعل فعله بقوة سنن الحياة وديالكتيكها، ولا أحد يستطيع أن يلغيه، فإن ما يقصدوه برأيي ليست سوى حيل.. هم يظنونها حيلاً ذكية، على طريقة (خوَّفه بالكي يرضى بالحمى).. ! لكنها لعمري ليست سوى بلاهة. فحين يتحول دعاة القبيلة والمتشربون بثقافة الكهوف المشيخية والعصبية القبلية إلى وحدويين وربما أمميبين وليبراليبن، ويصبح منظرو الاستبداد والطغاة منظرين للتغيير وللمشروع الوطني الوحدوي، فإنها والله مسافحة فاضحة وازدواجية فجَّة.. وإنها والله لا تقل عن كارثة وطنية..! أو ليس هم الآن من يتبادلون المواقع، ويستبدلون الأقنعة..! فالظلاميون يقولون بالوحدوية والحداثة والتغيير.. بينما التقدميون هم من يقيمون الأضرحة والمزارات..! ولننظر كيف يفهمون الوحدة.. وكأنها ضم وإلحاق وإلغاء الآخر الذي هو الشريك الرئيسي، وهو شعب الجنوب..! وكيف يفهمون الحرية في الموقف والرأي - من هذه المسألة - وكأنها تمرد وخيانة وإرهاب..!. فالوحدة إذا لم تمنحهم الهيمنة الكاملة والمركزية التي هي تمركز الذات والسلطة والنفوذ تصبح تمرداً وإرهاباً..! علينا فقط أن نتنبه - كأقوى ما يكون التنبه - إلى هذه اللعبة العبثية التي تعتاش من نزيف أهلنا في الجنوب والشمال معاً..! فالوحدة ليست هذه أيها القادمون من زمن.. الوحدة “خط أحمر”..!