“ إنك إذا آمنت بقوة في أن شيئاً ما سوف يتغير، فإنه بالفعل سيحدث، ربما ليس غداً، أو بعد غدٍ، ولكنه حتماً سيحدث هذا التغيير”.. ميشيل نيلي. يكاد يكون هناك إجماع على تعريف القضية الجنوبية أنها قضية شعب، تاريخ وهوية، لكن هناك من يختصر تلك الملكيات الثلاث في شخصه، معبّراً عن نفسه بأنه الشعب، التاريخ والهوية! ويقصي الآخرين بمجرد اختلافه معهم، حول طريقة الحوار، أو الطريقة الممكنة التي تحدد معالم طريق الجنوب الحر، وتحقق تطلعات أبنائه بتقرير مصيرهم، دون وصاية من أحد عليهم. عقليات كتلك، وهي كثيرة، وعلى امتداد ساحات الجنوب، كيف يمكن السير معهم في طريق واحد؟! وكيف يمكن التعامل معهم؟! وهم إقصائيون، وعلى نمط سياسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح ومن معه؟!. الجنوب وقضيته العادلة..لا يستطيعان السير قدماً دون تغليب لغة الفلسفة والعقل، وعدم السماح للغة الغوغاء - كما هي اليوم - لقيادة المسار نحو الهاوية وقتل القضية المنبتة على تربة خصبة، داسها أصحابها بالعفن، ولوّثوها بالدود، وقتلوا ينبوع الحياة في وريدها باكراً.. قرأت في أحد الكتب حكاية مختصرة عن فيلم بلغاري جاء فيها: “حضر رئيس الدولة حفلاً بهيجاً وقص الشريط الأحمر معلناً افتتاح عمارة ضخمة تم إنشاؤها حديثاً، وكانت فرقة الموسيقى تعزف ألحان الفرحة، حضر الحفل عشرات المترقبين لسكن العمارة، وبعد حفل الافتتاح تداعت العمارة وانهارت، وانهارت معها آمال السكان حاملي وثائق التسكين، استنفرت كل الأجهزة المختصة، بحثاً عن السبب، ووجد أن ما تم ابتداء من الأساس، وحتى الطلاء كان سليماً ومطابقاً لأفضل المواصفات الهندسية، وأخيراً تم الاستعانة بعامل بناء عجوز كي يحل لغز انهيار العمارة، سأل العجوز عن التفاصيل أثناء الافتتاح وركز على الفرقة الموسيقية ونوع الآلات التي عزفت، وعندما سمع أن طبلاً كبيراً كان ضمن الآلات الموسيقية، وكان صوته مدوياً قال حكمته: “الطبل سبب انهيار العمارة”!. و(الطبل) جنوبياً هو سبب تشظٍ وتفرق وتعدد مذاهب الفرقاء، وعليه العودة لجادة الحق والمنطق، فهي الكفيلة بالقفز أماماً، دون إقصاء وتخوين وادعاء بطولات مزيفة أو حقيقية، فطالما الفرد يسعى لقضية عادلة ضد سياسة النظام والسلطة، فلن يجد الطرق مفروشة بورود الرضا وحرير الامتنان. (الطبل) سبب انهيار العمارة؛ لأن من يستخدمه لا يرحم الجمهور بقوة صوته، ولا يعطيهم فرصة لالتقاط أنفاسهم؛ كي يميزوا ما يسمعونه بين الحقيقة والخيال. نعم..هناك من يشطحون فوق العقل والمنطق، ويصورون للغلابى أن الدولة الجنوبية الموعودة هي قريبة منهم قرب الرمش من عينه، وفي الواقع مازالت أمامها محطات وتضحيات ومطبات وأصوات ينبغي تجاوزها، ولن يحدث ذلك إلا بالوقوف ملياً أمام الواقع الحقيقي، بعيداً عن أمراض الغرور والزهو، وتغليب المصلحة العليا للجنوب.. وإيقاف (طبل) التضليل، حتى لا تنهار عمارة القضية الجنوبية العادلة.