ما بين السطور (6) هذا ما تسلحت من أجله القبيلة .. يتحدث الكثيرون أو يكتبون عن سلاح القبيلة وعن امتلاك القبيلة لأدوات القوة وإمكانيات العنف، حتى أصبحت تنافس الدولة في حق استخدام العنف، هذا الحق الذي لا تمنحه الشرائع الدولية إلا للدولة بوصفها كياناً يتحمل مسئولية فرض الأمن والاستقرار وحماية أبناء المجتمع. لكننا نقرأ بين سطور ما يكتب تعامي المناهضين للقبيلة وتغافلهم عن حقيقة المشكلة، بل والأنفة عن الاعتراف بمشاركة النخبة في دفع القبيلة إلى التسلح. لماذا يتناسى هؤلاء أن فشل النخب اليمنية في إقامة مشروع ”الدولة” وتمدين التراب الوطني هو الذي منح القبيلة إمكانية البقاء، خاصة بعد أن رأت أن الأمد قد طال على شجرة “النخبة” ولم تنضج ثمارها، وهو ما أخافها على هوية المجتمع من الضياع أو التميع، وبصفة أخص عندما أدركت أن المثقف العصري ليس في ذهنه مشروع حقيقي، وإنما هو مجرد متلقٍ سلبي يعيش في برجه العاجي الذي يقع في منزلة بين المنزلتين، فلا هو بالهوية الأصلية ولا بالهوية العلمية الجديدة. لقد تبخر مشروع الدولة الذي كان منتظراً من الجيل الذي ورث الثورة ومشروعها التحرري أن يقوم على بنائه، فالأنظمة السياسية المتعاقبة التي صنعتها النخبة استمرت تقتات الوهن والتصلب وتتعامل بأساليب الإقصاء والإلغاء، واستزراع شخصية الحاكم الفرد، ثم التواطؤ معه من أجل المصالح الذاتية، وانشغلوا جميعاً في كيفية إبقاء القبيلة والتعامل معها على أنها قوة وجدت لتناقض مشروع بناء الدولة وتقف في وجهه .. ومن أجل الحفاظ على مركز النخبة من طموح الآخر المنافس توجه الحاكم والنخبة كلاهما إلى القبيلة لاحتوائها بمنح المخصصات لرؤوس القبائل “والسلاح أيضاً” ثم العودة من الجهة الأخرى لإذكاء النعرات فيما بينهم، حتى يخلو الجو للنظام السياسي لكي يمارس تكلسه وفشله كما يشاء، متملصاً من استحقاقات القبيلة من التعليم والصحة والتنمية والخدمات الأخرى. القبيلة عند ذلك شعرت أن تحفظها القديم على القبول بالدولة الحديثة كان في محله، لأن النظام ونخبه السياسية اختارت الاستعداء الخفي للقبيلة وتكريس التصرفات التي تجعلها خارجة عن إطار منظومة الدولة، مع أن القبيلة في دولة عربية مثل الإمارات هي التي كونت منظومة الدولة وحدها وحققت النجاح. فالظروف إذن والخلل في بناء الدولة وفشل النخبة في تكوين نظام عادل وقانوني هو الذي أشعر القبيلة بالخوف على نفسها وضرورة حماية وجودها فتسلّحتْ، ولولا فشل النظام ما حدث ذلك، ولولا سلبية النخبة التي ورثت الثورة لتكوِّن النظام لما بقيت حتى الآن أجزاء من شمال الشمال لم تجمهِر!! لا يستطيع أحد أن ينكر أن القبيلة جربت التعامل مع دولة النخبة على المستوى الحقوقي وغيره، فتأكد لها أنها تتعامل مع كيان عائم وليس محل ثقة، فدولة النخبة أدمنت إفساد مجال القضاء فغابت العدالة، وهي إن وجدت فإن دولة النخبة تعجز عن تنفيذ الحكم!. ولهذا فقد عاد الناس إلى طهر العدالة القبيلة وصرامتها في تنفيذ الأحكام، وهكذا مضوا بما فيهم النخب السياسية والثقافية يقولون: “صلح أعوج ولا شريعة سابر”. والأهم من هذا كله أن تزايد حدة الخطورة التي تشعر بها القبيلة واستمرار دولة النخبة في صناعة الفشل لابد أن يوازيه رفع القبيلة من مستوى منظومتها الدفاعية، وبهذا مضى الأمر في عملية طردية حتى وصلنا إلى زمن الحرب الصاروخية التي تشعلها دولة النخبة على القبيلة، فتواجهها القبيلة بالصاروخ أيضاً!! ومثل هذه الحرب لابد أن تكون متكافئة، لأن طرفيها دولة ضعيفة وقبيلة تقوّت حتى وصلت إلى مستواها، وإذا تلاقى الطرفان في مستوى البنية، فلا تستغرب أن يتلاقيا في مستوى الجاهزية القتالية والعتاد الحربي. هذا واقع سيستمر حتى مجيء الدولة التي لاتزال حتى اليوم في الأحلام، والقبيلة ممتثلة لهذا الحل ومرتضية به، وهي اليوم تقول على لسان أحد كبار مشائخها: “متى أمنّا سنترك السلاح”.. أما أنا العبد الفقير إلى عفو ربه فسأقول: إن الكرة الآن في ملعب النخبة لتصنع النظام الإيجابي والدولة القوية، وهذا لن يكون إلا بفكر مغاير للفكر التقليدي العقيم.. هذا إن أردنا أن نعيش المستقبل في دولة مدنية حديثة تكون القبيلة غير المسلحة أحد مكوناتها مثل خلق الله في دولة القبائل الإماراتية كأقرب مثل من بيئة مشابهة.