بعد سنوات من اليأس الشديد من إحداث تغيير مناصب من يتسببون بآلام البلاد، وفي ظرف بالغ الحرج والتأخر، أقدم رئيس الجمهورية على خطوة كانت مثار التخوف والتكهنات وهي تدوير رموز عليا للفساد وحماة استمرار منطق الأمر الواقع المتمنطق بالغلبة الحزبية والتسليحية والقبلية، وهي خطوة يحلم كثيرون أن تكون فاتحة مؤقتة لمنحهم راحة طويلة إن أراد الرئيس منح البلاد صحوة طويلة. كثيرون آخرون يقللون من أهمية مثل تلك الإجراءات المهمة في التغيير بدلاً عن التدوير. لكن الساسة يصرون على استراتيجية الخطوة بسبب فهمهم لصعوبة إجراء تغيير فوري أكثر جرأة قد يفجر وضعٍِ، عمل الرئيس والحكومة خلال الفترة الطويلة السابقة على التعامل معها بحكمة وتروٍ لقد بدأ الرئيس هادي بتنفيذ الخطوة متسلحاً بالشرعية الشعبية والدولية ليبدي للكثيرين من المشككين والمستهزئين وذوي الثقافة التقليدية أن عدم وضع شوارب لا يمنع من الجرأة على نزع شوارب ضخمة من “القطط السمان” ووضع جوارب ناعمة لمخالبها المتكالبة على جسد نحيل لوطن مسجى يحتضر من انتفاخ بطونها من دمائه وجروحه المثخنة. اليوم يبدو أن هادي قد قرر فعليأً الدخول بحذر في معركة كسر العظم مع القطط السمان لإدراكه عدم جدوى دخوله حلبات مكافحة الارهاب ومكافحة الظلام في الشرق والانهيار الملحوظ للخدمات والحالة المعيشية للمواطنين في الوقت الذي يدرك، بحكم قربه منها أنها هي من صنعت معظم تلك المآسي، وبالتالي فإن التخلص التدريجي والآمن منها سيصب في زاوية تحسين نتائج أداء الدولة والجيش وقطع قنوات دعم القطط للقوى المعادية. تنوّع التكتيك لقد نوّع الرئيس تكتيكاته في تغيير خارطة القوى العسكرية التي تهدد السلم الاجتماعي، ففي الوقت الذي بدأ بإقالة عدد محدود من قيادات المؤسسات وإحلال نوابهم أومن فضله الموظفون مكانهم، اطمأن عدد من كبار القيادات العسكرية نسبياً باحلال نوابهم مكانهم لتبقى نفوذهم وخططهم قائمة، لكن اقتضت الحزمة الثانية من القرارات تدوير مواقع بعض العسكريين إلى مواقع أقل أهمية، بينما يحول آخرين فوق فراء المكاتب، وبالتالي فسيلاقي المستهدفين خلال الحزمة الثالثة صعوبة في التنبؤ بمواقفهم المقبلة. أبعاد قرارات الرئيس بالرغم من استمرار ضعفها وارتهانها للمداراة النسبية، انطلقت الحزمة الثانية والأقوى من قرارت هادي أراد بها الرئيس التأكيد على جديته في تطبيق المبادرة الخليجية من ناحية، ومن ناحية أخرى نيته تغيير خارطة ولاءات القادة العسكريين الداعمة لسلفه. فقد قام بالسماح للجميع بمراقبة اختبار قوة شخصيته عبر إصداره قرارات جريئة بمقياسنا التقليدي (وإن لم يدعمها بإجراءات إنفاذ بنفس القوة كما يُنتظر منه) مستخدمةً صلاحيات هادي القانونية كرئيس جمهورية وقائد أعلى للقوات المسلحة وفي نفس الوقت أوصل رسالة لجميع مساعدي أقارب صالح العسكريين مفادها أن عليهم مراقبة التجربة ومن ثم اختيار وتحديد ولائهم إما للوطن أو لصالح. واختيارهم بالطبع سيرسم مستقبلهم المهني خاصةً أن هادي كان واثقاً أن قراراته ستحظى بتأييد المجتمع الدولي والإعلام الرسمي بشكل سريع. في الاتجاه المقابل، تعطي الإجراءات الجديدة أملاً جديداً للناس وتضع حداً للتشكيك في قدرة الرئيس . كما تعمل أيضاً على تسريع إنهاء حلم قوى التشرذم والإرهاب عبر توحيد الخارطة العسكرية قريباً وتحسين وتنسيق الأداء الحكومي والعسكري . إن الموقف الأخير للرئيس في صناعة القرار سيؤثر كثيراً في نفسية القطط السمان المستهدفة في الحزم القادمة والتي يتوقع أن تتلقى قراراتها ،أياً كانت طبيعتها، بنفسية مطيعة وهادئة ظهرت أولها في تأكيد العميد طارق صالح ولاءه لهادي واستعداده إطاعة أوامره بعد أن اختبر خطورة غلطته السابقة وفتح بوابات دار الرئاسة الشرقية للرئيس السابق ليعقد اجتماعاً بمشائخ القبائل ا وأظهر اختبار هادي الأخير لتلك القيادات نجاحاً مبكراً جعل عامل القلق والخوف الأول في البلاد أحمد صالح يدين بالولاء التام لهادي بعد يومين فقط من القرار. وكعادة الكثيرين في التشكيك بنتائج تطورات تنفيذ المبادرة، يبدو للبعض عدم تغير الوضع بسبب تدوير بعض المناصب، لكنهم لا يدركون أهمية تغيير استراتيجية التموضع وتغير ولاءات أفراد الألوية الهامة التي تم تبديل قادتها في ظل قيادة عسكرية عليا مختلفة. في ذات الوقت يدرك الكثيرون أهمية تعامل الرئيس بطريقته تلك كونه الأكثر خبرة من الجميع بالعقليات التي يتعامل معها وبالتالي أنواع و حدَّة الضغوط التي يمكنه استخدامها. المؤتمر لا يزال صالحياً قرارات الرئيس وضعت حزب المؤتمر الشعبي العام في زاوية الاحراج حتى أنه في بداية الأمر صرح مصدر الحزب إدانته قرارات الرئيس، ورفض الكشف عن اسمه. إلا أن غيضه من الاجراءات وعدم تراجع هادي عنها جعلت الحزب ينظم مؤتمراً صحفياً عبر خلاله عن رفضه الرسمي والصريح عن تلك الإجراءات بل والتهديد بإطاحة هادي عن سدة الرئاسة وتعيين لجنة رئاسية بدلاًُ عنه. وهنا تبدأ مرحلة كسر العظم داخل الحزب تجاهر فيها قيادته التقليدية بممارستها المخالفات الدستورية علناً بالتهديد بالانقلاب على نظام الحكم الشرعي المتفق عليه، كما أن ذلك اعترافاً ضمنياً بالتأثير المباشر للحزب على الجيش وهو أمر يرفضه الدستور بقوة. القرارات القادمة بهدف تطبيق روح المبادرة الخليجية في تجهيز المناخ تماماً من أجل انتخابات منصفة وهادئة يختار فيها الشعب حكامه بدون أي ضغوط فعلى الرئيس هادي الوصول للهدف بخلع كافة مخالب القطط السمان تماماً بقرارات أكثر حزماً وأكثر سرعة حتى يتمكن بعدها من التغلب على التحديات الراهنة والضخمة خلال الوقت المتبقي القصير. كما أن كل الخرائط التي يحاول هادي إعادة تشكيلها عبر قراراته المماثلة لا بد أن يلازمها دعم دولي وحكومي وشعبي قوي حتى تتحدد ملامح واضحة لخارطة الاتفاق الأشمل ولتزول ثقافة التفرق والتشكيك ببعضنا البعض من أجل منح آفاق أوسع لمشاركة كافة القوى وتمكين كافة الفئات من صنع وإنفاذ قرارها القائم على وضوح شروط العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين المرتكزة على الإنصاف والمشاركة. اليوم وبعد أن ظهر لهادي نجاح الاختبار الذي وضع نفسه والجميع فيه وتحقيق نتائج مختلفة وعميقة كما تم ذكره أعلاه، فقد بات من الضروري أن يكمل ما بدأه بإصدار قرارات أكثر قوة وتوجيهات أكثر حسماً لإنفاذها حتى لا تتكرر جريمة قطع المطار ونهب المخازن العسكرية، ومن قبلها جريمة عصيان معياد بالاقتحامات المسلحة للمؤسسة الاقتصادية المجاورة لمقر وزارة الدفاع.