ودعت الجزائر الجمعة الماضية في مراسيم جنائزية مهيبة شهدتها العاصمة الجزائرية جثمان الزعيم المناضل العربي الكبير أحمد بن بله أول رئيس للجزائر بعد استقلالها, والذي يعد واحداً من أبرز المناضلين الأحرار الذين لعبوا أدواراً كبيرة في مسيرة النضال الثوري التحريري في هذا البلد العربي الإسلامي قبل استقلاله وبعده.. وخلّد بصمات تاريخية بارزة في صناعة تاريخ الثورة الجزائرية وانبعاث حراك التحرر والاستقلال والحرية في وجدان شعوبنا العربية. وبن بله الذي ولد في قرية صغيرة اسمها (مغنية) غرب الجزائر عام 1916 كرس شبابه للنضال ضد المستعمر الفرنسي, وحمل روحه على كتفه من أجل انتصار قضية شعبه العادلة وطرد الغزاة المحتلين وتعرض للاعتقال مرات عدة في سجون الاحتلال الفرنسي ذاق خلالها أصناف التعذيب والعناء, وبالرغم من ذلك لم يكسر عزيمةَ الإصرار والتحدِّي والثبات في مواصلة مسيرة النضال التحريري لأنه كان مؤمناً بخط الثورة ومدافعاً عنها قيادياً ثورياً وداعياً للحقوق ومحارباً صلباً ضد المحتل الفرنسي. كما أنه أحد المؤسسين البارزين في العمل السياسي الجزائري ومن الشاهرين ل«حزب جبهة التحرير الوطني».. وعلى نسق واحد وقف بن بله مع أحرار وثوار ومناضلي الجزائر الآخرين أمثال هواري بومدين وجميلة بوحيرد وحسين آيت أحمد محمد بوضياف مصطفى لشرف ورابح بطاط ومحمد خيضر وغيرهم من المناضلين في مؤازرة خط الثورة مبشرين بمستقبل جديد من الحرية والكرامة وقيادة الجزائر إلى النصر المبين, وهو الانتصار الخالد والأسطوري لثورة الجزائر العظيمة التي مثّلت فتح مجد تليد وملحمة بطولية نادرة قدم خلالها شعب هذا البلد العظيم المكافح من أجل انتصارها المليون شهيد عمّد بدمائهم الزكية حريته واستقلاله.. فكتب للشعب الجزائري العزة والشرف في تاريخ نضالات ثورات الشعوب التواقة للتحرر والانعتاق من براثن المستعمر الغاصب, ودرس يفتخر به كل العرب من المحيط إلى الخليج وأحرار العالم قاطبة. لقد آمن هذا المناضل الجسور بوطنه، وبعروبته وهويته، وكان مواطناً غيوراً على قيم شعبه الذي فرض عليه الاحتلال الفرنسي ثقافة دخيلة في محاولة لطمس الهوية الثقافية وحرمان شعب الجزائر من حقه في تعلم لغته (الأم) العربية ومنعه حتى من ممارسة شعائره الدينية, فكان بن بله بعد انتصار الثورة في الجزائر من أشد المتحمسين لدك معاقل وموروثات الاحتلال الفرنسي الثقافية ومعالجة آثاره ومسح مخلفاته والعمل على تكوين الدولة الحديثة وإعاد الجزائر إلى حضن العروبة وإعادة الاعتبار لتاريخ وثقافة هذا البلد العربي الكبير وجعل الجزائر حاضنة وداعمة ومناصرة لقضايا الشعوب العربية وملهمة ودافعة لكسر طوق الهيمنة والمحفزة للانطلاق نحو التحرر والانعتاق من براثن الاستعمار, فأصبح بن بله واحداً من القادة التحرريين القوميين العظام الذين صنعوا تاريخ الثورات العربية الحقيقية, وواحد من زعامات العالم الذين انضووا تحت لواء حركة عدم الانحياز وكان بينهم الزعيم الكوبي الثائر فيدل كاسترو وجمال عبدالناصر وجواهر لال نهرو ماو تسي تونغ. وعندما أدار له رفاق دربه ظهورهم وخلعوه من القيادة وأدخلوه بلا محاكمة السجن ظل بن بله ثابتاً مؤمناً بالمبادئ التي حملها وكافح في سبيلها من أجل الجزائر الحرة المستقلة.. رحم الله أحمد بن بله ثائراً ومناضلاً وزعيماً ومواطناً سيبقى حضوره وذكراه ساكنة في وجدان وضمائر شعبه وأمته. [email protected]