عندما انتفضت الشعوب العربية وقالت للظلم لا كان نتيجة الضغوط التي سببها الظلم وانتشار الفقر والجهل وانعدام حرية التعبير واحتكار الثروات ونهب خيرات البلاد واستحواذ نخبة عليها وحرمت بقية المواطنين من الانتفاع بخيرات بلدانهم . من حق المواطن أن يعيش في وطنه بكرامة وان تسعى الحكومة لإيجاد الفرص المتكافئة في العمل لكل مواطن وتؤمن لهم ولأولادهم حياة كريمة بعيداً عن الظلم والاستبداد واستئثار البعض بخيرات البلاد دون غيرهم ، لهذا السبب قبل غيره انتفض الجميع وقامت الثورات ليقولوا لا للظلم والاستبداد وكفاكم جبروتاً وطغياناً وفساداً ، وكفانا تخلفاً وجوعاً وحرمانا . لقد جنى الحكام مازرعوا لأنهم انشغلوا بنهب المال العام وتنفيع القلة على حساب الشعب وانشغلوا بإعلاء شأن الطائفة والقبيلة على حساب الوطن والمواطنة المتساوية ، اتبعوا سياسة فرق تسد بين أبناء المجتمع بهدف استدامتهم في الكرسي ، نشروا ثقافة الحقد والكراهية وغذوا الصراعات بين فئات المجتمع ، لم يكترثوا لتحديث الدولة وعملوا على جر البلد والمجتمع إلى مهاوي التخلف والانحطاط الفكري والحضاري ، لأن ترسيخ الدستور ليس أولوية لديهم ،حتى تراث ثقافة مجتمعنا المنفتح والمتسامح تحول إلى ثقافة الغلو والتشدد الديني ، فعملوا على تكميم الأفواه والتضييق على الحريات مستغلين تناحر القوى الوطنية وبدلاً من نشر الوعي الوطني اصدروا فتاوى ليس لها علاقة بالدين الحنيف ولأن شبابنا وشاباتنا الرائعين والمبدعين في آخر الاعتبارات والأجندات لتلك الأطراف ولأن التقدم خطيئة جعلونا ننسى العدو الحقيقي ونركز على أعداء وهميين. نحن متأخرون وسنظل كذلك إذا لم نفهم ماذا تعني التنمية الحقيقية وإذا لم نفهم معنى الوحدة الوطنية وإذا لم نلتزم بالدستور فهل سنعي ياترى الدرس؟ أم سنرفض الاستيقاظ من أوهامنا ؟ لا بد أن نستيقظ قبل فوات الأوان ونبدأ بالتغيير ولو بأنفسنا ، قال تعالى (إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم) أولاً يجب مواجهة أنفسنا بما هو واقع وأن نبدأ بتغيير أنفسنا وأفكارنا ونياتنا للأحسن لكي يتغير كل شيء حولنا ، فالتخلي عن الانتماء الطائفي والحزبي والانصهار خلف مبادئ العدل والحرية والتسامح هو أساس التغيير فلابد من المضي قدماً لإقامة نظام حقوقي ديمقراطي والالتزام بالطابع السلمي للتغيير مع الصفح والغفران لنترك مجالاً للمخطئ والمتعصب بالتراجع عن خطئه والعودة إلى جادة الحق والصواب وبما يمكنه من المشاركة في بناء وطن جديد خالٍ من التعصب والحزبية ،صحيح أنهم سيقاومون رياح التغيير ولن يتراجعوا عن أخطائهم بين ليلة وضحاها وسيرفضون الاستسلام والرجوع عن الخطأ خوفاً على مصالحهم ومكتسباتهم غير المشروعة والتي حصلوا عليها من ثروات الوطن فلو كانوا جربوا طعم الذل والفقر لما ذهبوا إلى ماذهبوا إليه ولكن كما قال المثل (ماتحرق النار إلا رجل واطيها) كان لابد أن يعرفوا أن الأوضاع المعيشية قد وصلت حداً لايطاق وأن الجميع لم يعد قادراً على رؤية الظلم والسكوت عنه. لقد كان من الضروري أن يأتي يوم يصحو فيه الجميع من سباته العميق وحالة الاستسلام والخنوع للحكام والأنظمة الفاسدة والجهل والتخلف والعقول المتحجرة والقبلية التي هيمنت عليهم لسنوات وعقود، لقد ثرنا وضحينا بأرواحنا في سبيل الحرية والعيش الكريم . بعد هذه الصحوة والثمن الغالي الذي دفعناه ولازلنا ، لابد أن نقف ونسأل أنفسنا :هل كان لنا دور ويد في تسلط الحكام والرؤساء علينا؟هل جنينا مازرعناه ، هل هذا هو ثمن السنوات التي نافقنا فيها رؤساءنا وحكامنا وتقاليدنا الخاطئة فصعب علينا اقتلاعها وتصحيح أخطائنا، هل نعي الدرس؟