كنت أتصفح إحدى المجلات العربية المرموقة وقرأت فيها استطلاعاً عن اسبانيا، والذي تركز في الأساس عن الجانب المضيء للحضارة العربية في تلك البلاد وفي الأزمنة الغابرة، فكلنا يعلم ما خلّفته الحضارة العربية في اسبانيا عندما كان العرب في أوج مجدهم وعظمتهم والتي شملت الكثير من الجوانب الزراعية والعمرانية والتي مازالت بعضها قائمة حتى يومنا هذا إلا أنها أصبحت مهددة بالتغريب من أجل مسح ومحو كل ما هو عربي وإسلامي بالرغم من الفوائد التي تجنيها اسبانيا من قبل عشرات الآلاف من السياح الذين يؤمون تلك المدن والمناطق التي استوطنها العرب ردحاً من الزمن. وما يهمني طرحه في هذه السطور هو ذلك السؤال الذي طرحه الصحفي العربي على مدير إحدى حلبات مصارعة الثيران.. وكان السؤال: لماذا أنتم الأسبان تعشقون هذه الرياضة وهي رياضة وحشية لا تنسجم بالطبع مع حقوق الحيوان..؟ فكان رد مدير حلبة الثيران بالقول: أوافقك هذا الرأي بأنها رياضة وحشية ونخرج فيها أسوأ ما فينا من عنف وقسوة، لكن أليس أفضل منكم كعرب الذين لا تكفون عن قتل بعضكم البعض وتفجرون القنابل في شوارعكم، فأنتم هنا بحاجة لمصارعة الثيران لا أن تصارعوا أنفسكم..! هنا يقف الواحد منا عند هذا الرد ويستقرئ واقعنا العربي سواء كان في الماضي أو الحاضر، سيجد أن جواب ذلك الرجل كان في محله ولا أحد يقدر أن ينكر أو يجادل، لأنه طرح شمس الحقيقة.. فما يدور في عالمنا العربي من صراعات واقتتال لم تهدأ فيه منطقة إلا والمنطقة الأخرى تأخذ زمام الأمور للاقتتال وواقعنا العربي يؤكد هذه الحقيقة، فما نراه من مجازر في سوريا ضحاياها بالآلاف وبنية تحتية تدمرت واقتصاد ينهار لماذا كل هذا؟ بالطبع شهوة التمسك في السلطة فلا يهم أن تحرق سوريا أو يزول الشعب فهذه مسألة فيها نظر المهم أن لا يحتل كراسي السلطة غيرهم فهي ملكهم ولا تزال منذ أربعين عاماً. وما نشاهده في العراق من اقتتال ودمار وكذا ليبيا واليمن وغيرها من بلاد العرب سيجد كلام ذلك المصارع الأسباني يمثل الحقيقة ذاتها والواقع يؤكد ذلك فنحن لم نسمع أن هناك أي اقتتال في أي بلد غير البلاد العربية وإن وجدت في بعض البلدان الأفريقية مثلاً فهي لا تقارن بما يدور في البلاد العربية. وكل هذا الكلام عاد بي إلى الخطاب الهادئ والموضوعي والمسئول وغير المرتجل للرئيس عبدربه منصور هادي في كلية القيادة والأركان قبل أيام قليلة وسمعه معظم أبناء شعبنا والذين استقبلوه بارتياح كبير، لأن الرجل لم يبالغ ولم يشطح فيما قاله، بل شخّص الواقع اليمني المعاش بكل صدق ومسئولية وعلى الجميع أن يفهموه، لأن خطى التغيير قد بدأت وليس هناك مجال للعودة إلى الخلف أو التراجع ويجب أن تسير الخطوات الواثقة إلى الأمام، لأنها مظللة بالإرادة الشعبية مدعومة بالإرادة الإقليمية والدولية ومن يقف أمام هذه المسيرة سوف يجرفه الطوفان إلى مزبلة التاريخ. وخطاب الرئيس قد عاد بي إلى إجابة مدير حلبة المصارعة الأسباني، فعندما قال بعد أربعة أشهر سنحتفل بالعيد الذهبي لثورة 26 سبتمبر ونحن مازلنا نعيش نفس الوضع، حيث إننا مازلنا نتقاتل من شارع إلى شارع وهذا هو العيب كله ويقصد بالتحديد ما صار في الآونة الأخيرة في صنعاء وتعز وغيرها من المدن، فبدلاً من أن نتجه لبناء دولة مدنية حديثة ونتوجه لبناء الاقتصاد الوطني ونعمل للقضاء على كل الأساليب البالية والموروثة عبر مئات السنين كالثأرات والمواطنة غير المتساوية وعدم تشجيع الكفاءات وغير ذلك من المهام التي تنتصب أمام شعبنا حتى يتمكن من أن ينتشل وضعه المأساوي القائم. فمن خلال خطاب الرئيس الأخير يدلل على أنه يمتلك رؤية ثاقبة لمستقبل اليمن الجديد وكيفية بنائه، ولذا فإن على كل القوى الوطنية من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني ومثقفين وسياسيين واقتصاديين وجيش وأمن أن يقفوا مع هذا الرجل والعمل على دعمه حتى يستطيع أن يحقق الأهداف التي رسمها شعبنا بكل أطيافه وتوجهاته، فنجاحه نجاح لليمن كله ونجاح لمستقبل أجياله، وهذه فرصة ذهبية يجب أن نلتقطها.. وأعتقد أن شعبنا أصبح أكثر وعياً بمصالحه ولن تنطلي عليه أساليب الزيف التي كانت تمارس عليه.