على طاولة الحوار الوطني يعرف الفساد بأنه: “إساءة استخدام المنصب العام من أجل تحقيق المكاسب الشخصية أو لمصلحة شخص أو جماعة ما”. (المرصد اليمني لحقوق الإنسان، التقرير السنوي 2006م، 141). ومن الفساد الذي (كان ولا يزال) يعاني منه اليمن حصر السلطة بيد شخص رئيس الدولة، حيث المادة (105) تنص على أن (يمارس السلطة التنفيذية نيابة عن الشعب رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ضمن الحدود المنصوص عليها في الدستور). ومن خلال مراجعة مواد الدستور نجد أن الدستور اليمني قد منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، ربما تفرد بها الدستور اليمني عن بقية دساتير الأرض، والشيء المفرح لنا كيمنيين أن دستورنا المبجل أوجد نظاماً دستورياً جديداً لم يتطرق له فقهاء الدستور في العالم. كما سنعرف في ثنايا هذا الموضوع. تنحصر أنظمة الحكم الديمقراطية في العالم بين ثلاثة أشكال: النظام الرئاسي، والنظام البرلماني، والنظام المختلط، والجامع بين هذه الأنظمة _ وإن اختلفت أشكالها _ قاعدة فصل اختصاصات وصلاحيات هيئات الدولة وتوازنها، والرقابة والمساءلة المتبادلة، وعدم تركيز السلطة بيد فرد أو جماعة يؤدي إلى الاستبداد بها وانتهاك حقوق المواطن، وكل شكل يقوم على قواعد متكاملة توفر الضمانات التي تجعله ديمقراطياً. فدور رئيس الجمهورية وحجم مسؤولياته وأساليب مباشرته لمهامه تتوقف على طبيعة وشكل الدستور. فشخصية الرئيس التي تصلح في نظام رئاسي مثلاً تختلف تماماً عن شخصية الرئيس المطلوب في نظام برلماني، وهكذا في المختلط. ومن هنا تأتى أهمية مناقشة هذا الموضوع. نبدأ بالتأكيد أنه لا توجد قوالب جامدة ومتفق عليها لشكل وطبيعة النظم الدستورية، وكل هذه النظم نشأت وتطورت فى ظروف تاريخية محددة. النظام الرئاسي نشأ هذا النظام في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ثارت على الهيمنة البريطانية واستقلت عنها مع حرب الاستقلال، في هذا النظام يجمع رئيس الدولة بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، ويمارس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية مباشرة أو عن طريق مساعديه والوزراء، ورغم انتخابه من الشعب إلا أن توليه مهام تنفيذية يمنع امتلاكه أية وسيلة ضغط على الهيئة التشريعية أو القضائية. فهو لا يملك حق دعوة البرلمان للانعقاد العادي أو فض دورته أو حله أو اقتراح القوانين أو التصرف في ميزانية الدولة حسب ما يراه، ويخضع للمساءلة السياسية ومحاسبة البرلمان والفضاء وتعلن مخالفته ، وحتى فضائحه الشخصية. النظام البرلماني نشأ هذا النظام في إنجلترا نتيجة لصراع سياسى طويل فى المجتمع البريطاني. فعلى الرغم من أن هذا النظام يقوم على ثنائية السلطة التنفيذية (رئيس الدولة ورئيس الحكومة) إلا أن رئيس الدولة لا يتولى سلطات تنفيذية فعلية، وإنما يمارس سلطات سيادية تمثيلية في مجال العلاقات الدولية وفي الشأن الداخلي يتولى مسائل رمزية مثل التوقيع إلى جانب رئيس الوزراء على قرارات تعيين كبار الموظفين، ومن ثم لا يساءل سياسيا وتقع المسؤولية والمساءلة على الحكومة، ويعتبر رئيس الدولة حكما بين الهيئات ورمزا للسيادة ولا يتعرض للنقد على أداء السلطة التنفيذية، لأنه لا يمارسها وليست لديه وسائل ضغط على الحكومة أو هيئات الدولة الأخرى. النظام المختلط وهناك نظام يقع بين النظامين (النظام المختلط) وهو نظام استحدث عام 1958م في مرحلة تاريخية خاصة بفرنسا يومئذ، ويتميز رئيس هذا النظام عن النظام الرئاسي في أنه يستطيع حل البرلمان، وعن رئيس النظام البرلماني بتعيين رئيس الوزراء وقبول استقالته ويجوز له دعوة الحكومة للاجتماع ورئاستها غير أن الدستور لم يمنحه سلطات تنفيذية عملية والحكومة مسؤولة فقط أمام البرلمان وهي المسؤولة عن الأعمال التنفيذية كافة وتخضع لها جميع المؤسسات والأجهزة الإدارية والأمنية والعسكرية ورئيس الوزراء وحده مسؤول عن أعمال الحكومة ويمارس السلطة التنفيذية فهو المسؤول عن تنفيذ القوانين ويعين كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. نظام الحكم في اليمن في اليمن يبدو الحال مختلفاً ومضحكاً أيضاً، بحيث لا يستطيع أحد تحديد نوع أي نظام قائم في اليمن، والسبب يعود بالدرجة الأساس إلى الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية. تنص المادة (119) على أن “يتولى رئيس الجمهورية الاختصاصات التالية: تمثيل الجمهورية في الداخل والخارج، دعوة الناخبين، الدعوة إلى الاستفتاء العام، تكليف من يكل الحكومة إليه، يضع بالاشتراك مع الحكومة السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها، دعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع، تسمية أعضاء مجلس الدفاع الوطني، إصدار القوانين، تعيين وعزل كبار موظفي الدولة من المدنيين والعسكريين، إنشاء الرتب العسكرية، منح النياشين والأوسمة، والأذن بحمل النياشين الممنوحة من دولة أخرى، إصدار قرار المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، إنشاء البعثات الدبلوماسية وتعيين واستدعاء السفراء، اعتماد الممثلين للدول والهيئات الأجنبية، منح حق اللجوء السياسي، إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة، وأي اختصاصات أخرى ينص عليها الدستور والقانون، وبموجب المادة (122) تقدم إليه التقارير من رئيس الوزراء المتعلقة بتحقيق المهام المسؤول عن تنفيذها مجلس الوزراء، وبموجب المادة (123) لا ينفذ حكم الإعدام إلا بعد التصديق عليه من رئيس الجمهورية، وبموجب المادة (125) يعين أعضاء مجلس الشورى، وبموجب المادة (133) رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام رئيس الجمهورية عن أعمال الحكومة، وبموجب المادة (147) يكون المحافظون محاسبين ومسؤولين أمام رئيس الجمهورية، وقراراته ملزمة لهم ويجب عليهم تنفيذها في كل الحالات، وبموجب المادة (111) رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعلاوة على هذه الصلاحيات التنفيذية، فإن صلاحيات الرئيس طبقا للمواد (70 / 74 / 101) دعوة مجلس النواب للانعقاد ولدورات انعقاد غير عادية وحل المجلس. وطبقا لقانون السلطة القضائية، رئيس الدولة هو من يعين رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى وله الحق في دعوة المجلس ورئاسة اجتماعاته متى ما أراد ويصدر قرارات تعيين القضاة وترقيتهم ونقلهم، بالإضافة إلى القوانين الأخرى التي تخص تبعة بعض الأجهزة التنفيذية الهامة المدنية والعسكرية لرئيس الدولة مباشرة. ومن خلال ما سبق يتبين أن “الدستور والقوانين النافذة في اليمن قد منحت رئيس الدولة سلطات وصلاحيات رئيس النظام الرئاسي والبرلماني والمختلط مجتمعة بالإضافة إلى سلطته على القضاء، مما يجعل نظام الحكم في اليمن خارج نظم الحكم الديمقراطية”.(محمد أحمد علي، التغيير :الإصلاح الديمقراطي في اليمن. ص 99). وبالعودة إلى المادة (110) من الدستور نجد أنها تنص على أن (يعمل رئيس الجمهورية على تجسيد إرادة الشعب واحترام الدستور والقانون وحماية الوحدة الوطنية ومبادئ وأهداف الثورة اليمنية، والالتزام بالتداول السلمي للسلطة، والإشراف على المهام السيادية والمتعلقة بالدفاع عن الجمهورية، وتلك المرتبطة بالسيادة والخارجية للدولة) وهذا يعني أن رئيس الجمهورية هو رمز السيادة والحكم بين هيئات الدولة والمجتمع، وبهذا يكون متمتعا بحصانات رئيس النظام البرلماني فلا يساءل ولا يحاسب على أعمال السلطة التنفيذية. وبهذا يتبين أنه لا ينطبق على شكل نظام الحكم في اليمن أي من الأنظمة الثلاثة، وإنما يجمع بينهما جميعا، وتتركز السلطة بيد رئيس الدولة الذي لا يخضع للمساءلة أو المحاسبة وتخضع له جميع هيئات الدولة، ولهذا السبب والأسباب الأخرى نجد أن الدستور يعاني من أزمة بنيوية. أمام هذا الفساد المستشري في مفاصل الدستور الرئيسية وقفت أحزاب اللقاء المشترك وقفة تاريخية في 2005م عندما طالبت بالأخذ “بالنظام البرلماني بديلا عن النظام القائم” معتبرة أن النظام البرلماني “سيمثل خطوة نوعية حاسمة في تحقيق الإصلاح السياسي وتهيئة قطار الإصلاحات في المجالات الأخرى للانطلاق. كما أنه كفيل بإنهاء المعاناة من الحكم الفردي الذي شكل معضلة تاريخية لليمنيين. (أحزاب اللقاء المشترك، مشروع اللقاء المشترك للإصلاح السياسي والوطني، ص 11). على طاولة الحوار الوطني واليوم يتوق اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني لأن يصنعوا مستقبلا يضمن لهم الكرامة والحرية والمواطنة المتساوية واحترام الدستور والقانون الذي يجب أن يضع جميع اليمنيين _ على اختلاف انتماءاتهم _ على قدم المساواة. وبهذا السياق نذكر أحزاب اللقاء المشترك بمشروعهم الذي قدموه في الإصلاح السياسي الوطني، والذي مثل قيمة نوعية، حركت الركود في الحياة السياسية والفكرية، مقدمين رؤية مشتركة لأحزاب المعارضة في قراءة وتشخيص الواقع القائم آنذاك، بأوضاعه ومشكلاته المختلفة، مقترحة الحلول والمعالجات الضرورية لها، وفي مقدمتها استبدال النظام القائم بالنظام البرلماني. كما يتعين على العقلاء والشرفاء من أبناء هذا الوطن أحزابا وجماعات وأفراداً العمل الجاد على محاربة كل أنواع الاستبداد والإقصاء والتهميش، والعمل بروح الفريق الواحد على أرضية مشتركة يمثلها هذا الوطن الحبيب. وأن يصنعوا دستورا يتوج لهم تضحياتهم ونضالهم وسلمية ثورتهم أمام جبروت النظام البائد. كما عليهم أن يكونوا كحراس أمناء لدستورهم الجديد الذي تقف أعمدة الدولة المدنية الحديثة على قواعده. [email protected]