الشعوب هي التي تصنع للحضارات الإنسانية، تجسد مبادئ النظم السياسية المعاصرة، وقد أشرت إلى المراحل التاريخية للفكر السياسي اليمني إيماناً بأهمية العودة إلى مدرسة التاريخ للتعرف على إنجازات الشعوب وصبرها على المكاره، لأن صناعة المجد لاتأتي عبر الإملاءات الخارجية أو محاولة التقليد والمحاكاة، وإنما بالانطلاق من الفكر الوطني الأصيل الذي استوعب تجارب الحياة في مختلف مراحلها وسجل رصيداً إنسانياً وحضارياً يشكل مخزوناً معرفياً تنهل منه الأجيال. إن المشهد السياسي اليوم في الساحة الوطنية لاينطلق من الأصالة الفكرية للتاريخ اليمني، ولايعتمد على تراثه الإنساني وجوهر الإسلام عقيدة وشريعة، بل نرى القوى السياسية أو قل بعضها تحرث في البحر وتسير بلا سراج منير، لأنها لم تنطلق في رؤاها المستقبلية من قداسة الأرض والفكر اليمني وصارت فرقاً تقلد هذا وتحاكي هذا وتتلقى إملاءات من هذا وذاك، ولأنها لم تعتز بالوطن والدين وجعلت بعض الثوابت وسيلة لتحقيق غاية شيطانية فهي كمن يحيى جسداً بلا روح. إن الانطلاق من الجذور التاريخية للحياة السياسية اليمنية دليل على إنعاش الجسد بعودة الروح إليه، ولن تكون لأي شعب قائمة مالم يعد إلى جذوره وإرثه الحضاري والثقافي والسياسي، لأن التقليد والمحاكاة فعل العاجزين والفاشلين الذين يشعرون بعقدة النقص وليس لهم من هم غير البحث عن تكميلها باللجوء إلى الغير بتقليده في كل شيء. إن اليمن غنية لها ثراء حضاري وانساني وصنع الأوائل تجارب أحق أن يحتذى بها، ولسنا بحاجة إلى جلب تجارب الآخرين، لأن لنا ظروفنا وثوابتنا وشخصيتنا المميزة لنا عن غيرنا، وليس في فكرنا السياسي وإرثنا ما يجعلنا نتوارى أو نتجاهله لعيب ما وليس في التاريخ من وصمة عار سوى الشواذ الذين شذوا عن الحقيقة وخرجوا عن المألوف وهؤلاء سجلهم التاريخ للعظة والعبرة، أما الألق والمجد والعزة فقد صنعها اليمنيون منذ فجر التاريخ وهي صفحات مشرقة مليئة بالشموخ والإنجاز وذلك ماعرف به اليمن عبر العصور المختلفة. إن التفكر للأصل والهوية بداية فعلية للتخلي عن الوطن فهل حان الوقت لمن يتأففون من الانتماء ليدركوا أن اليمن أعظم وأبقى من شعورهم بالهوس والنقص؟ وبات على أحرار اليمن أن يضعوا حداً صارماً في سبيل الحفاظ على هوية الوطن ومجده وتاريخه، وأن يقولوا لضعفاء النفوس كفى عبثاً بالتاريخ والهوية الوطنية لأن الوطن ملك الأجيال بإذن الله.