عندما تغادر لا ينبغي أن تترك من يطوي صفحتك، كما سبق وطويت صفحات غيرها، ولا يمكن أن يكون غيابك، غياباً لإحساس من المحتمل تغييره. قد تتساءل: وكيف لي أن لا أكوّن مساحات من البياض, غير قادرة على رد من يحاول تلوينها؟. كيف لي أن لا أصبح صورة من أشخاص أعرفهم حضروا وغابوا, دون أن يشكل غيابهم أي تحدٍٍ للآخرين؟. ثمة معادلة من الممكن تفسيرها، ومن الممكن التوقف أمام صعوبتها إن حاولت التحرر من الأسوار، معادلة الاختلاف عن الآخرين، معادلة أن تكون أنت، تفعل ما تريده وتنتمي إلى ما تريده.. لا تمثل، ولا تنتمي إلى ما لا تعرفه، ولا تؤلف ما ليس عالمك..أنت كغيرك من الأسوياء ولدت، وأحببت، وصدمت، وتعذبت، وعبرت لحظات فرح، وساعات تعاسة وألم، وبحثت طويلاً عن الحياة الأفضل في نطاق سعيك الدائم لها.. بحثت طويلاً وانشغلت بالأمان، وأنت تفقد من تحب, ويبتعد عنك من تحب، وتبعد أنت قسرياً عمن أحببت... عشت القوة الكاسرة, وعشت الضعف الصعب، ولحظاته الانكسارية، ومع ذلك ظللت كما أنت, تلتحف بالقوة عندما يحين وقتها، وتتهاوى أمام هزائم الحياة دون أن تفقد الرغبة في مواصلة السعي بين أيامها. أنت كما أنت, لا تشبه أحداً بالمطلق، ولا تبتعد عن الواقع أو عن ملامح بعض السائد العام.. تجيد كما تعتقد إدارة حياتك وتفاصيل أيامك، تتمسك بالحياة رغم كل الصعوبات التي عبرت بها. تبكي بسهولة أحياناً ,لا تتوقف أمام ذلك المشهد، لأنك تعتقد أنه يندرج تحت بند الصدى لصوت الداخل. ما تعلقت به أطراف نفسك التي حلمت بهدوئها، وبحثت لها عن ميناء حقيقي لا ترسو فيه غيرها, لامسته أحياناً، وأحياناً أخرى غاب عنك. أنت كما أنت, لكن يحزنك أن لا يميز البعض بينك وبين ما تستحقه، بينك وبين ما ينبغي أن يفصل, ويبقى على جوانب الطريق التي عبرت منها، ولا يفيض ويغادر معك. أنت كما أنت, يتقبلك الآخر إيجاباً دون أن ينسج لك صورة من العمق, بأسرار قد لا تنتمي إليها، ولا يمكن أن تجرؤ على سردها له إن حاول حصارك. أنت كما أنت, لك عالمك الذي صنعته بخصوصية، تتمسك بجذورك العاطفية والجغرافية..الحياة بالنسبة لك ليست اختراعاً، ولا نقطة على الخريطة تحاول أن تتحسس مكانها، بل هي كما تعرفها, مكان تجده في داخلك تعيش فيه ومعه، وتشعر بحنين دائم وارتباط قدري وتاريخي. أنت كما أنت, يتقبلك الآخر سلبيا,ً ولا تنزعج لأنك قد ربحت نفسك.. التقيت بها .. تحسست حزنها.. لامست غربتها.. تنامت داخلك قيمك التي تربيت عليها.. تزايد إحساسك بالانتباه إلى ما يجري, وأنه لن يغير شيئاً ذا قيمة لديك، وأن ينزع ما هو أساسي في تركيبتك. أنت كما أنت, لا يخذلك الناس, ولا الزمان الصادم إن لم يهادن..يتقبلك كما أنت, بعيداً عن تلك القواعد والإملاءات التي تسد الطرقات, وتغلق الأبواب المفتوحة!!