يقترن الحديث عن الإيمان بالأديان، وفي هذا الإقتران قدر كبير من الحقيقة المقرونة بطُهرانية الأديان قياساً بمنابعها الأصليّة، ورؤاها الباحثة عن تخليص الإنسان من الحيرة والقلق الوجوديين؛ لكن فكرة الإيمان المقرونة حصراً بالأديان ليست مقتصرة عليها، بل إنها حاضرة في كل جوانب الحياة، ذلك أن الإنسان لا يعيش بالخبز والماء فقط، بل يعيش أيضاً وضمناً وأساساً بالمثال «بكسر الميم وفتح التاء»؛ والشاهد أن الإنسان المؤمن هو ذلك الذي يستقرئ نواميس ذائقته المعنوية والممارسية من خلال قوانين التاريخ التي تتوارى عن الأنظار، بما يذكرنا بما ذهب إليه الفيلسوف الألماني هيغل؛ يوم أن اعتبر أن للتاريخ ظاهراً وباطناً، فظاهر التاريخ ما نراه ونلمسه ونتمرّغُ في نيرانه الحامية، وباطنه ما لا نراه ويصعقنا بمفاجآته وانقلاباته العاتية، وبهذا مهّد «هيغل» لما سُمّي لاحقاً بدهاء التاريخ ومكره، فالتاريخ لا يرحم الذين يعتقدون أنه سيستمر على ذات الوتيرة، ولن يأتي بمفاجآته المعهودة أبد الدهر، وبالمقابل كان الإيمان بنواميس شكلاً من أشكال ممارسة العقيدة الباطنة، النابعة من قوة الخيال. عودة إلى حديث الإيمان نقول: إن الايمان الديني مدخل من مداخل الإقرار بالسويّة البشرية الرائية لمعنى الغائب الماورائي، وبالتالي يصبح هذا المذهب السلوكي العقلي الذوقي بمثابة رافعة مؤكدة لأي عمل ناجح. من لا يؤمن لا يُنجز، ليس بالمعنى الديني المعروف فقط، بل بالمعنى الوجودي. من يؤمن ينمي لعوالم الوجود .. كلنا مؤمنون لأننا نحلم ونتخيّل ونُنجز، وعندما نكف عن ذلك ننتفي بوصفنا مؤمنين !! . [email protected]