كنت قد أشرت في موضوع لوازم الحوار الوطني إلى ضرورة التزام من يطرح قضية للحوار أن يستمع جيداً إلى النقاش الذي سيثار حول ماطرحه، لكي يتبين له إما صواب ماطرحه أو عدمه، ولايجوز طرح القضايا والهروب من الحوار والنقاش، لأن الالتزام بالاستماع إلى الآراء والمداولات حول القضية المطروحة ركناً أساسياً من أركان الحوار لايجوز الإخلال به بأي حال من الأحوال. إن من آداب الحوار الأخذ والرد بأسلوب علمي يتجاوز المهاترات وترديد المصطلحات المثيرة لحفيظة الآخرين، والالتزام بضوابط الحوار أمر حتمي، لأن الالتزام بذلك دليل على جدية المحاور وإخلاصه لما يطرحه من القضايا وإيمانه المطلق بأن ماسينتج عن الحوار يمثل إجماع المتحاورين ويعد خلاصة للحوار الذي ستبنى عليه الاتجاهات الأساسية لمعالم المستقبل. إن الإيمان بأن الحوار منهج حياة وهو من أرقى الوسائل الإنسانية الحضارية التي تحقق التفاهم وتزيل الالتباس وتمحو آثار الاختلاف أمر لازم، ينبغي أن يتوفر لدى المتحاورين، لأن عدم الإيمان المطلق بالحوار يعني الإخلال الكامل بآليات وضوابط وآداب الحوار، ويدل على التجرد من القيم والأخلاق التي تحكم التصرفات الإنسانية وتهذب من القول والفعل، وتدل الأخلاق على رجاحة العقل والتمتع بالإيمان والحكمة. إن الإقدام على الحوار هو البداية العملية للإيمان بقيم وآداب وأخلاقية الحوار وضوابطه، وهو كذلك دليل على الجدية والاستعداد للالتزام بتلك الضوابط، الأمر الذي يقود إلى الالتزام المطلق بنتائج الحوار، ولذلك ينبغي الإدراك الكامل بأن الهدف من الحوار هو الوصول إلى مايعزز الوحدة الوطنية ويجسد العدالة ويصون الكرامة ويفرض هيبة الدولة وسلطان الدستور من أجل خير الناس كافة بإذن الله..