فإذا كانت المفاصلة الكاملة مضرة وكان التماهي الكامل غير ممكن فعلى إي اساس يمكن ان تقوم العلاقات بين الافراد والجماعات و المجتمعات و الدول المختلفة. فمن وجهة نظر القرآن انها تقوم على أساس مبدأي التعاون على البر والتقوى و عدم التعاون على الاثم و العدوان. «كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين و أنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه و الله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم». إن اختلاف البشر في اللغة و الدين و الثقافة و غير ذلك من المجالات لا يعني انهم لم يعد يربطهم مع بعضهم اي رابط. فالرابطة البشرية أقوى من ان تندثر بسبب هذه الاختلافات. انهم موحدون من خلال الحكمة والتي هي موروث البشر جميعاً. الحكمة هي ما توصلت اليه الانسانية من قواعد مفيدة سواء من خلال الدين او العقل او العلم و التي قد تبدو انها لا تنسجم مع العواطف و المشاعر. و الدليل على ذلك انه ما من حضارة انسانية او ما من تجربة انسانية إلا و تأثرت بالحضارات و التجارب الانسانية الاخرى التي سبقتها وأثرت بشكل او بآخر على الحضارات و التجارب الانسانية التي لحقتها. و الحضارة الاسلامية و الامة الاسلامية ليست استثناء من ذلك فقد تأثرت بما سبقها و اثرت على من لحقها و هي اليوم لا يمكن ان تعيش ناهيك ان تتطور من دون ان تتأثر بما يجري من حولها. فمن يشدد على ضرورة المفاصلة من الغرب هو في حقيقة الأمر يعبر عن حمق عميق. فهو لا يدرك انه لا يمكن ان يستغني عن علم العرب و تكنولوجيته وابداعاته في الاقتصاد و السياسة و الاجتماع و الثقافة. فالأحمق هو الذي ينكر ما يشهد على كذبه. ان ذلك لا يعني التماهي في الغرب انما يعني الاستفادة مما أضافه الى الحكمة البشرية. فالعرب قد استفاد من حكمة المسلمين في فترة معينة و عندما نحن نستفيد من حكمته في الوقت الحاضر فإننا نستدعي ما ساهم به اجدادنا في هذا الميراث الانساني و لا شك ان ذلك قد يهيئنا الى المساهمة في هذا الميراث في المستقبل. أما المفاصلة فإنها تعني تنكرنا لما قدمناه اي تنكرنا لذاتنا و كذلك منعنا من المشاركة في المسيرة البشرية في المستقبل. و لا شك ان ذلك نابع من جهل عميق بالقرآن و بالتاريخ و بالواقع. و من يكون هذا حاله فانه الى الحمق اقرب منه الى الحكمة. و من اجل التخلص من هذا الجهل و الحمق فإن على الامة الاسلامية ان تتعلم من القرآن. «ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك انت العزيز الحكيم. كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا وما يذكر الا اولو الالباب». على الامة الاسلامية ان تدرك ان الحكمة فضل من الله و أن الله يعطي فضله من يشاء من عباده و لا يقصرها على امة دون امة. ذلك الاعتقاد الفاسد هو الذي منع اليهود من الاستفادة مما تفضل الله به عليهم من حكمة. و هو الذي منع النصارى من الاستفادة مما في كتبهم من حكمة. و عندما اعتقد المسلمون بانهم شعب الله المختار الجديد جهلوا فلم يستفيدوا مما في القرآن من حكمة. «لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين». «واذ أخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل. ام يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله فقد اتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكا عظيما. ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك وما يضلون إلا انفسهم وما يضرونك من شيء وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما. اذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذا يدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا واذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل واذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الاكمه والابرص بإذني واذ تخرج الموتى بإذني واذ كففت بني اسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم ان هذا الا سحر مبين. ولقد اتينا لقمان الحكمة ان اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد. ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله واطيعون». فعندما تخلى اليهود و النصارى عن الحكمة و عن مشاركة غيرهم فيها حرمهم الله منها. و في نفس الوقت فان الله قد انزل على نبيه محمد قرانا حكيما للعالمين و ليس فقط للعرب و المسلمين. «ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين. ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله الها آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحورا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ان الله كان لطيفا خبيرا». فالى جانب ضرورة التواصل مع غير المسلمين لإبلاغهم بالقرآن الذي يمثل الدين المناسب للعصر الحاضر و بالتالي تمكين العالم من الخروج من ظلمات الدنيا و الاخرة فان هناك ضرورة للتواصل مع الاخرين لإبلاغهم ما في القرآن من حكمة يمكن ان تخرجهم من ظلمات الدنيا. و هذا ما سنحاول مناقشته في المقالات القادمة بإذن الله تعالى.