هذان الرجلان عاشا مع اليمنيين ظروفاً قاسية وفي مرحلة حرجة، حيث ارتبطت حياتهما المهنية في جزء كبير منها باليمن بأحداثه السياسية والعسكرية منذ وقت مبكر، وتحديداً منذ فجر الثورة اليمنية عام 1962م وما تلا ذلك من تحولات عميقة في مجرى حياة اليمنيين.. وكلاهما عاشا في اليمن لفترات طويلة ومتقطعة، وأمضيا أوقات مع المقاتلين في جبال رازح وعيبان وصرواح وفي نقيل يسلح ومناطق نهم وأرحب وخولان وغيرها من مناطق المجابهة العسكرية بين قوى التحرر والظلامية، وفي تغطيتهما لمعارك البطولة في حصار صنعاء إثر انسحاب القوات المصرية من اليمن عام 1967م فضلاً عن لقاءاتهما مع قيادات ثورتي سبتمبر وأكتوبر في شطري الوطن قبل الوحدة. كما وأن الرجلين عاشا مخاضات وانعكاسات الانقلابات العسكرية في الشمال والجنوب على حد سواء، وسطرا في أحداث اليمن وتحولاته العميقة على مجرى حياة اليمنيين مئات المقالات والتحليلات وعشرات الكتب والانطباعات التي نشرت وقتها في الصحف المصرية والعربية. وكانت مادة كتاباتهما تلك عميقة وصادقة من قلب البيئة اليمنية؛ حيث عاشا أدق تفاصيلها ومخاطر نزاعاتها القبلية ومختلف معتركاتها بمراراتها وحلاوتها، فقد أصبحا جزءاً من ذاكرة اليمن الوطنية إبان تلك المرحلة، بل لا أبالغ إذا ما قلت إنهما أضحيا مرجعية لكل ما اعتمل في تلك المرحلة من تاريخ اليمن والتدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية. ويختزن اليمنيون في ذاكرتهم بقدر كبير من الاحترام لهذين الإعلاميين المصريين البارزين، وذلك لنجاحهما في نقل القضية اليمنية إلى ساحات الرأي العام الخارجي، فقد أصبحا مواكبين في تغطيتهما الإعلامية لكل التحولات الحضارية التي جرت في هذا البلد منذ مطلع ستينيات القرن المنصرم؛ فقد عايشا مرحلة ما بعد تثبيت الجمهورية الأولى إثر فك الحصار عن صنعاء عام 1967وقيام الجمهورية الثانية عام 1990م، وما أعقبها حتى اختارهما المولى عز وجل إلى جواره قبل عدة سنوات، بعد أن خلفا سيرة عطرة حافلة بشلال متدفق من محبة خالصة لليمن أرضًا وإنسانًا، حيث كانا بمثابة أيقونة لسيرة الصحفي المناضل الذي لا يقتصر دوره على مجرد النقل للوقائع والأحداث وإنما إلى مرتبة تفوق ذلك وتجعله جزءاً من النسيج الاجتماعي وترمومتراً لكل ما يختلج في التجربة من إرهاصات وبشارات وانكسارات، فضلاً عن نجاحهما في سبر أغوار التركيبة الشخصية اليمنية المعقدة والبسيطة في آنٍ واحد، ولقد كانت بواعثهما إلى ذلك في بداية الأمر حب الاكتشاف والمغامرة، وهما يخوضان التجربة الأولى لهما في مواكبة أحداث الثورة اليمنية، ثم تحولت تلك المغامرة إلى عشق لليمن، ربما تغذيها تلك الروابط القوية والمتميزة التي تربط بين الشعبين المصري واليمني، حيث يمكن القول بأنهما كانا جزءاً من حالة الدفاع المصري عن الثورة اليمنية، وبالذات خلال الفترة الناصرية، فقد كان كل من الرجلين سفيراً لها يبشر بمآثرها وعظمة أفكارها إبان تلك الفترة العصيبة من تاريخ النضال العربي في الوحدة والاستقلال والتنمية. هل عرفتهما؟ الإجابة غداً..