أصبحت الثقافة في العصر الحالي مطلباً حياتياً وإحدى علامات الحضور الإنساني وإحدى المؤثرات المهمة للتواجد الفعال في هذا الزمان.. بعد أن ظلت على مر التاريخ مطلباً فطرياً ومطلباً أساسياً على المستوى الاجتماعي والديني لما تشكله من أهمية في حياة الإنسان.. كما أصبحت المعرفة وثورة المعلومات هما أداة التطور وأساس التقدم والحضارة المعاصرة وربما فيما هو آت.. فأين موقعنا من مواكبة المتغير العالمي في مرحلة تقارب كيانات العالم وتواصلها في ظل التطورات المتسارعة في مجالات المعرفة والاتصالات والمعلومات..؟ حيث لابد أن يتم اقتحام الصعوبات وإعمال العقل في سبيل التحصيل العلمي والدخول إلى ميدان المنافسة بثقة وثبات.. وفقاً لما تشهده المرحلة من حراك ثقافي وتطور تكنولوجي في مختلف المجالات.. وذلك يتطلب التفاعل الإيجابي والتثاقف والاحتكاك والتلاحم، وتفعيل قنوات الفكر بانفتاح وعقلانية.. وإدراك واع لتجاوز الفجوات الفكرية.. وأياً كانت التحديات يجب احترام الثوابت وعدم التفريط أو التهاون في محاولة النيل من كيان الأمة أو تاريخها الحضاري أو هويتها الثقافية، وكذلك رفض منطق التبعية.. أو قبول الإصلاحات الخارجية. كما يجب الاهتمام بالتنمية البشرية البناءة التي تحترم الفكر وحرية الإبداع كما تحترم القيم السامية.. وإذا تمكنا من امتلاك إرادة التغيير والآليات المطلوبة لتحقيقه.. فسنجد المناخ المناسب على المستوى المحلي لصناعة مشروع التحديث والإصلاح ولكن بطريقة منظمة ودقيقة.. وذلك بناء على المواجهة المحسوبة للتحديات، وتفعيل التكامل المؤسسي في صناعة القنوات المعرفية.. وتبني ثقافة الفعل والإنتاج، وبناء الثقة بالذات، وتجاوز حالة الاستسلام والانهزامية.. وتجاوز الإفراط في الخطابة وإطلاق الشعارات والمزايدة.. ليحل محلها العمل والإنتاج والإنجاز بصوره المتعددة.. بدءاً بإعادة قراءة الواقع بموضوعية.. والسعي لولوج المستقبل وبناء جسوره عن طريق رؤى ومعايير منطقية واضحة بعيدة عن التقوقع والانغلاق والأحادية.. وانطلاقاً من التوجه نحو بنية المشروعات المستقبلية التي يمكن من خلالها تحقيق الطموحات المنشودة سواء في بناء مجتمع المعرفة والتحرر من دائرة الاستهلاك والاستيراد بكل تداعياتهما السلبية.. والانتقال إلى مراحل الإنتاج الثقافي والمعرفي إلى جانب احترام القراءات المنهجية.. أو في تطوير آليات التعليم ومناهجه في سبيل تشكيل العقلية الناقدة والوعي المتجدد وامتلاك القدرة على التحليل والإبداع ومناقشة مختلف القضايا بصورة علمية ومنطقية.. وذلك بالطبع لابد أن يحقق تجاوز مراحل الحفظ والتلقين، وإحلال الحوار وإمكانية الاستيعاب السليم، إضافة إلى جودة المنتج في المجالات المعرفية والعلمية.. وهناك جانب آخر له بالغ الأهمية.. أكدت عليه بعض مؤتمرات العرب الثقافية.. حيث أكدت على الانتقال من ضغوط الواقع إلى صناعة مجموعة من الثقافات.. لتعديل موازين الأمور ومنها ثقافة المساءلة ونقد الذات.. وثقافة الوفاء والانتماء مقابل تفشي الجحود والانقطاع دون مقدمات.. ثقافة الثقة بالنفس والموروث وتعظيم رموز المواطنة والإيقاع القومي مقابل الاغتراب وحالات الفوضى والانشطار الإنساني، ثقافة التطوع والعمل المجتمعي وتغليب الصالح العام مقابل الإفراط في الأنانية والذاتية.. ثم ثقافة احترام التبادلية مع الآخر من باب التثاقف والتفاعل والتلاقي، وأخيراً ثقافة الفعل والإنجاز وتخطي ثقافة القول والشعارات والمزايدات والتباري في الأطر النظرية.. وذلك جوهر القضية. [email protected]