إلى فترة قريبة كنت مؤمنة بأن من الجيد أن نرى الصورة من المنتصف، بحيث لا يطغى عليها اللون الأسود أو الأبيض، حيث سيتلاشيان في الوسط لينتج عنهما الرمادي، ومثل ذلك اللون-على ضبابيته- سيكون أفضل من النظر من زاوية الأبيض فقط أو الأسود فقط. حدث وأن تحدثت مع أشخاص حول مفهوم اللونية في النظر إلى الأشياء،كنت متمسكة برأيي في أن النظر من زاوية الأبيض أو الأسود فقط كفيلة بأن تخلق الكثير من المشاكل بين الأشخاص، بينما النظر من الزاوية الرمادية على قتامتها كفيل بأن يخفف حدة تلك الاختلافات الجالبة للمشاكل إلى أقل درجة، لكن أحدهم عرض وجهة نظر جميلة خلقت لنظرتي زوايا خارج أطر الرمادي الذي أدمناه كواقع لنخفف من المشاكل التي تواجهنا بسبب الرأي. تتحدث فكرته عن ثقافة جديدة منفتحة أجدى لتقليل مشاكلنا المتباينة، إذ أن الصورة في العصر الجديد تكتنف بكثير من الألوان الزاهية، ومع ذلك مازلنا نحصر ذواتنا بالرؤية القديمة للأشياء، فلوني أخضر متماوج مع الأزرق، ولونك أبيض متمازج مع البرتقالي، ولونه بنفسجي بتدرجات لون الغروب، ولونها أصفر متمايل مع حمرة الشفق، وهكذا لكل منا اللون الذي يفضله للأشياء والأفكار، لذا ليس من الضروري أن نرى السماء فقط بلون الغروب ،وليس من الطبيعي أن نلون أشياء وأفكار الآخرين وفق أهوائنا، وليس من العقل أن نؤطر أنفسنا بألوان الحياد درءاً للمشاكل، فما أجمل تلك الألوان التي تعبق بها أرواح الآخرين وأرواحنا وما أجمل أن نقتبس منها بعض الشيء لأفكارنا ونظراتنا لترتسم بحلة أكثر جمالاً مما عرفناه. الكثير من الفوائد سنجنيها كأفراد وكمجتمع إذا سعينا لتطبيق هذه الثقافة ، لكن إذا بقينا محصورين في إطار الأبيض أو الأسود أو الرمادي، ستبقى شخوصنا تراوح مكانها دون أن تخطو خطوة مثلى نحو ما تبتغيه، لأن الالتزام بزاوية واحدة للرأي يفسد الفكر والحوار والعلاقات. إذا انتشرت هذه الثقافة بشكل كبير، ربما نستطيع أن نقرأ لغة التسامح الحقيقي بشكل أكبر، وربما نستطيع أن نتمعن في لغة الأشياء ، ونعرف أي لون يمكنه أن يلطخ الصورة، وأي لون يمكنه أن يزيدها بهاءً. بإمكاننا من خلالها أن نعبر عما نريد ويعبر الآخرون عما يريدون دون أن نفسد للود قضية، لأن ثقافة الألوان بتدرجاتها كفيلة بأن تخلق واقعاً أفضل .