ليس ثمة نقيضان مثلما هو صاحب النظرية الشاذة (صدام الحضارات) الفيلسوف الأمريكي صومائيل هنتغتون والكاتب المسرحي البريطاني الشهير هارولد بنتر الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 2005م وأكبر ناقد لسياسات الهيمنة. معروف عن هنتغتون أنه أحد اثنين مع (فوكوياما) روجا للأفكار الرأسمالية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور سيادة القطب الأوحد المنتصر والمنفرد بالعالم. فوكوياما تحدث عن نهاية التاريخ أي الانتصار النهائي للرأسمالية، وأن الولاياتالمتحدة هي التي بدأت تسطر نهاية التاريخ وأن الليبرالية الرأسمالية هي الوحيدة القادرة على إنهاء الصراعات وتحقيق السعادة للبشرية..! ولكن.. لا التاريخ انتهى.. ولا الصراعات انتهت.. ولا استتب الأمر للرأسمالية بأيديولوجيتها الليبرالية ولا النيوليبرالية.. لذلك أعلن فوكوياما عن فشله وتخليه عن أفكاره عندما وجد نفسه خارج السياق..! أما هنتغتون فقد وجد في التاريخ بداية أو تبلوراً لصراع آخر هو صراع الحضارة اليهودية/ المسيحية في مواجهة الحضارات الشرقية “الإسلام، البوذية” وغيرها..! صدر لهنتغتون كتاب عام 1996م بعنوان: (صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي) عرض وجهة نظره بأن صراع ما بعد الحرب الباردة سيقوم على أسس ثقافية حضارية وسيكون أكثر عنفاً..! وقسّم هنتغتون الحضارات إلى ثماني كتل حضارية مختلفة: الغربية، الأمريكية اللاتينية، الإسلامية، الصينية، الهندوسية، المسيحية، اليابانية، الإفريقية، وكل حضارة تستند على دين معين ومجموعة من القيم، أما الصراع فيحدث –حسب رأيه- بين هذه الحضارات بسبب النمو الديموغرافي المتسارع والعولمة.. ويقول هنتغتون: “يعتبر التفاعل بين الإسلام والغرب صدام حضارات، إذ إن المواجهة التالية ستأتي حتماً مع العالم الإسلامي..!”. الكاتب المسرحي الشهير هارولد بنتر - أعظم كتّاب المسرح في جيله - وقف يتصدى بقوة لأفكار هنتغتون وركز لمدة عقدين من الزمن في كتاباته وأفكاره ومقابلاته ومحاضراته وقراءاته الأدبية والفكرية على القضايا السياسية، وعارض بشدة الصراعات والحروب مثلما فعل ضد حرب كوسوفو وحرب الخليج وغزو العراق.. وهو أكثر من فضح تزوير الصراع لدى هنتغتون من كونه صراعاً على موارد بشرية وجغرافيا سياسية وليس صراعاً على أديان وحضارات كما يزعم هنتغتون..! النقيضان هنتغتون وهارولد بنتر رحلا في يومين متتاليين وتركا باب الصراع مفتوحاً..! [email protected]