إذا لسعتك النحلة لا تتخذ موقفاً من العسل أوقفني في موقف الاتباع وقال لي: لو قال الله وما أرسلناك إلا لعنة للعالمين لاتبعنا الحوثيين ودين الموت واللعن. ولو قال الله: وما أرسلناك إلا تفجيرا للعالمين لاتبعنا القاعدة ودين القتل العدمي والانتحارات. ولكنه قال: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يحْيِيكُمْ” فهل سنرمي كلام ربنا وراءنا ظهرياً ونمضي وراء الذين اتخذوا دينهم لعناً وقتلاً للمسلمين تحت شعار “قتال غير المسلمين” ولهواً ولعباً مع غير المسلمين لتحقيق مصالحهم الاستراتيجية. بل صدق الله وكذب أهل الأهواء التسلطية وجماعات الفتنة القادمة من خرسان بلاد المشرق. سألته ماذا يعني تحديد الجهة الجغرافية. فذكرني بأحاديث صحيحة أشارت إلى فتن قادمة إلى جزيرة العرب من بلاد المشرق خرسان وما جاورها وتشمل افغانستان وإيران والعراق ونجد. وفي موقف الاتباع أوقفني في موقف القرآن وقال لي: ارفع يديك إلى السماء وقل: اللهم لا تجعلنا من المقتسمين “الذين جعلوا القرآن عضين” من يقرأون قوله تعالى: “لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء” ويعرضون عن قوله: “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن” أو من يتبع الثانية ويتجاهل الأولى وفقاً لأهواء الغلظة والبدواة أو اهواء الاستكانة والاستسلام . ومن يقرأون آيات الحث على قتال من يقاتلنا عند القدرة ويعرضون عن قوله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين” واجعلنا يا الله ممن يتبع القرآن كله، كل آية في موضعها، ولا تجعلنا من الجهلة الذين يزعمون التناقض وأن القرآن يضرب بعضاً بعضاً، ويتجاهلون السياقات التنزيلية واللغوية. موقف الرشد أوقفني في موقف الرشد وقال لي: إذا لسعتك النحلة فلا تتخذ موقفاً من العسل، إياك والوقوع في فخ الحالة الهوسية: سألته وما الهوس؟ أجاب: هو حالة تفتقد إلى الرشد والموضوعية في التعامل مع ما تحبه وما تكرهه. والمصاب به إذا أحب شيئاً أحب من أجله كل ما يتعلق به وإذا كره شيئاً كره من أجله كل ما يتعلق به، هي حالة مرضية في التصور والإرادة شبيهة بحال الشاعر الذي أحب امرأة سواداء فقال: أحب لحبها السودان حتى حببت لحبها سود الكلاب وأردف موضحاً: إن مشكلتي العقل السلفي الجامد والعقل العلماني المتغرب هي اشتراكهما في الهوس الاستلابي, فالمتغرب أحب الحضارة الغربية وأحب لحبها سود الكلاب, والسلفي الذي يرفض كل ما يأتي من الغرب، لأن الغرب يحارب المسلمين يشبه من لسعته النحلة فاتخذ موقفاً من العسل. سألته عن موقع شعوبنا من الحالة الرشدية: فأجاب: الجماهير التي يمكن ان يستثيرها مراهق في اقصى الغرب برسمة كاركاتير، ومراهق آخر في أقصي الشرق بمسرحية لو اجتمع عليها مائة مراهق عابث لتلاعبوا بها كما يتلاعب الأطفال بالكرة. لقد أوضحت لك في موقع الفعل أنكم تتراوحون بين الفعل البدائي والفعل العاطفي وما يزال أمامكم أشواط لتحلقوا في آفاق الفعل الرشيد والموجه.