سيكون أمام حكومة الوفاق الوطني خلال المرحلة القادمة مهام عاجلة، تتمثل في استيعاب وتوظيف تمويلات الدعم التي حصلت عليها اليمن من مؤتمري الرياض ونيويورك مؤخراً، سواء لجهة توظيف هذه التمويلات في مشروعات البنى التحتية أو في تنفيذ مشروعات استراتيجية في مجالات الطاقة والمياه، فضلاً عن معالجات جانب من المشكلات الاقتصادية والمجتمعية والإنسانية جراء البطالة المتفشية بين الشباب، إضافة إلى تبعات النزوح الداخلي والصعوبات التي يواجها اليمن جراء الهجرات المتتالية للاجئين من دول القرن الأفريقي.. وبأن تضع الحكومة في الحسبان كلفة إعادة تعمير ما دمرته الحرب مؤخراً في عدد من محافظات الجمهورية. وحسب علمي فإن لدى الحكومة برنامجاً للاستفادة من هذه التمويلات بصورة علمية ومدروسة تتجنب - قدر الإمكان- السقوط في مربع الفساد، خاصة أن تلك التمويلات ستخضع لرقابة مباشرة من الدول المانحة ضمن إطار الرعاية الإقليمية والأممية لمسار التسوية السياسية حتى موعد انتهاء الفترة الانتقالية بمراحلها المختلفة. إن التساؤل المهم والمطروح بإلحاح يتمثل في كيفية تغطية الحكومة للعجز الخاص بالاحتياجات الأساسية التي يتطلبها تأمين مسار هذه التسوية، حيث تشير التقديرات إلي حاجة اليمن إلى قرابة ال 12 مليار دولار وبين تمويل سقف تعهدات مانحي مؤتمري الرياض ونيويورك التي لم تتجاوز سقف المليارات الثمانية أي بعجز نحو أربعة مليارات دولار عما هو مخطط له. ومن هنا - تقريباً - تأتي حاجة الحكومة إلى وضع أجندة بالأولويات في سياق الاستجابة لتك الاستحقاقات المرتبطة بأهداف الاستقرار والتنمية واتخاذ جملة من السياسيات التقشفية إزاء المصروفات العامة وإيقاف الهدر القائم في الإنفاق الحكومي وتحفيز النشاط الاقتصادي والاستثماري فضلاً عن تنمية الموارد المالية وتحفيز الأوعية الادخارية خاصة أن إشادة رئيس صندوق النقد الدولي السيدة كريستين لاغارد مؤخراً بالأداء المتميز للاقتصاد اليمني خلال الفترة الأخيرة من خلال استقرار أسعار الصرف تؤكد على أن البيئة المحلية باتت مستقرة وجاذبة للاستثمارات المحلية والخارجية.. وهو ما يتطلب - بالضرورة - عمل مراجعة سريعة وشاملة للسياسات النقدية والمالية وبما يكفل تعزيز هذه الأنشطة وتقوية ادخاراتها وتحسين مصفوفة الأداء والتشريع في المؤسسات المصرفية الآمنة. ولأن تحفيز البيئة الاقتصادية الفاعلة والجاذبة غير منفصل البتة عن عوامل الاستقرار السياسي والأمني فإن ذلك من التحديات الإضافية الماثلة أمام الحكومة والتي تتطلب منها كذلك جهوداً مضاعفة لتأمين مسارات التسوية السياسية وترسيخ الأمن وهما المرتبطان جدلياً بتنفيذ مضامين المبادرة الخليجية المزمنة والقائمة على التئام الحوار الوطني الشامل بين كافة الأطراف والقوى السياسية للخروج برؤية مشتركة لماهية الدولة وطبيعة النظام وكذلك التحرك السريع لدمج المؤسسة العسكرية وبحيث يكون ولاؤها للوطن، فضلاً عن الإجراءات الدستورية والقانونية المرتبطة بانتخابات المؤسسات التشريعية والسلطات التنفيذية وهي الخطوات التي تعمل الحكومة جاهدة على تحقيقها في إطار هذه المبادرة المزمنة.. وحيث إن الأمور تسير بهذه الوتيرة المتسارعة فليس ثمة ما تضيعه الحكومة في إعادة إنتاج الخلافات فيما بين أعضائها أو فيما يمكن أن يبرز من اختلافات بين السلطات المتعددة، خاصة أن هذه الحكومة جاءت بناءا على رغبة مشتركة داخلية وخارجية ونتاج قناعة تامة بالتوافق عبر التداول السلمي للسلطة في إطار هذه التسوية .. وهو ما يجعل جميع الأفرقاء على الساحة أمام اختبار حقيقي تجاه شعبهم قبل أن يكون ذلك أمام أحزابهم والآخرين .. الأمر الذي يجعلنا متفائلين بإمكانية أن تتجاوز حكومة الوفاق الوطني مجمل تلك التحديات والتباينات الفكرية والحزبية إلى مرحلة جديدة يستشعر فيها الجميع ثقل وعظم هذه المسئولية ..وبأننا في سباق مع الزمن لإنجاز تلك المهام والاستحقاقات وما أكثرها .