عبر أبواب صمتنا الذليل تمكن الموت من العبور للوصول إليه ... لم يداهمه برحمته بعد وإنما استقر في أعماق روحه الحزينة ... يشاطره ألمه ويخفف عنه عذابات إحتضاره ، يحاورهُ بتجربة الأيام وحكمة العقلاء الذين خبروا الدهر وما فيه من تصرف الأحوال ، يذكره بذاك المصير المؤلم الذي سبقه إليه كل المبدعين في وطن يقتات فيه بعض البشر على كل البشر من أجل بقائهم واستمرارهم في هذه الحياة أمواتاً ولو إلى حين ... يناجي الموت قلبه وعقله متوسلاً قناعته كي يسلم لهُ نفسه ويتأهب فرحاً إستعداداً للمغادرة والرحيل ... يقرأ لهُ أبياتاً من قصيدة لشاعرنا العربي العظيم أبي الطيب المتنبي : كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا تمنيتها لما تمنيت أن ترى صديقاً فأعيا أو عدواً مداجيا نعم يا صديقي ، ذاك هو المصير الذي يلقاه المبدعون في وطنكم هذا وفي غيره من الأوطان الأخرى التي تماثله في الغياب ... وإبداعكم جرمٌ عظيمٌ يحرمه العقل لأنه يقاوم القبح ويسعى إلى تطهيره من الذاكرة والضمير ، وصمت البشر في أوطانكم صك الغفران للمسئول كي يمارس به هوايته الدامية ويواصل سيره في وأد الإبداع والمبدعين وإفناء الجمال وتعذيب الحياة . لا تحزن يا صديقي ، فإن كان رحيلك يخلصك من عذاباتك فلترحل كما رحل المبدعون من قبلك في غفلة من الزمن وفي غياب الذاكرة في هذا الوطن الذي جعل من الموت صديقاً حميمياً للمبدعين ورسول الرحمة الذي ينتظرون قدومه بفارغ الصبر كي يخلصهم من كل العذاب والمعاناة والبؤس ... وطنٌ ما زال متمسكاً بكفره وجحوده يأبى الإيمان ويرفض التسليم بأن الوطن لا يكون وطناً إلا بمبدعيه الذين يحملون لواءه ويسطرون عنوانه ويتصدرون واجهته الحضارية والوجودية والإنسانية ... لا تحزن يا صديقي ولا تبتئس ولا تتألم فالموت مرة واحدة أعز وأهون من الموت ألف مرة ... وكن واثقاً من أن إبداعك سيظل خالداً أبداً يؤرق صفو الظالمين ويلاحق الجريمة والصمت معاً . بصمتنا الذي أصبح متعمداً لأننا اكتفينا بمشاهدة ما يتعرض له المبدعون في هذا الوطن من ألم وشقاء فنحن الجناة الحقيقيين الذين يقومون بارتكاب هذه الجريمة الكبرى بحقهم ، ونحن من يرسل الموت في يومنا هذا للشاعر شوقي شفيق كما أرسلناه من قبل لكل المبدعين الذين سبقوه لهذا المصير ، وسنرسله أيضاً لكل مبدع آخر ما زال يصارع حياته البائسة طالما بقينا صامتين لا نقوى على الحراك أو فعل شيء لأجلهم ولأجل هذا الوطن ... وإن كان لابد من شيء يجب القيام به فأقل ما يمكن فعله تجاه ما يحدث بحق مبدعينا هو ضرورة العمل على إتخاذ موقف موحد من قبل الجميع حازم وحاسم وقادر على التأثير في أولائك الذين بيدهم القرار واولئك الصامتون الذين أماتوا هذا الوطن بصمتهم وبعجزهم عن الفعل . [email protected]