كانت تقلب صفحات من دفاتر تلاميذها،مدققة على تصحيح أي أخطاء قد تجدها،فمعروف عن الأستاذة أماني حرصها أثناء عملية تصحيح الدفاتر. تنهدت وهي تصحح دفتر معاذ محدثة نفسها:هذا الولد يجنن بلداً بأكمله!!كانت تعاني كغيرها من المعلمات من معاذ ،دلاله وإهماله الشديد ولا مبالاة أهله بتصرفات ولدهم،فقد كان والده يشغل منصباً أمنياً كبيراً،يخاف منه الجميع،ولكنه أمام معاذ ضعيف ولا يستطيع أن يتحمل لحظة غضب من ابنه. حاولت أن تنهي تصحيح دفتره دون أن تغرق في ذكريات مشاكل معاذ مكتفية بتصحيح أخطاء إجاباته ،وصلت إلى الورقة الأخيرة من الواجب،وصعقت مما قرأته...ما هذا !! هل أنا في حلم!!كانت خمسة أسطر - بخط معاذ الضعيف - ويا لهول ما تحويه هذه الأسطر..شتائم ..لا لا..ليست شتائم وحسب بل إساءات وموجهة لمن!!لها هي!!لم تصدق!!هل يصل ضعف التربية والتوجيه لتلميذ إلى هذه الدرجة؟هل تصل الجرأة بتلميذ في سن المراهقة أن يعكس تربيته غير الصالحة داخل دفتر من المفترض أن يكون سبيله لتلقي العلم وجعله إنساناً مثقفاً وواعياً؟؟ألا يخجل هذا الولد؟أين أمه؟...بل أين أبوه؟لم تستطع أن تتحمل!انتابتها مشاعر مختلطة غضب ،واشمئزاز مما قرأت!!أحست بإهانة !!بل لقد خدش حياءها ...قامت إلى جهاز التلفون ..وبعصبية رفعت سماعة التلفون :مساء الخير أستاذتي العزيزة،أعذري اتصالي في هذه الساعة المتأخرة ،ولكن الموضوع لا يحتمل الانتظار،أنا مستقيلة من العمل في المدرسة!.فوجئت مديرة المدرسة وردت قائلة:ماذا حدث يا ابنتي؟خير!!وحكت لها الأستاذة أماني،عن دفتر معاذ وما كتب لها فيه. .بدأت مديرة المدرسة تهدئ من روع معلمتها قائلة:لا تقلقي أو تحزني ،إن شاء الله غداً لنا لقاء،اتركي هذه الدفاتر واذهبي للنوم وغدا لنا كلام.أقفلت أماني سماعة الهاتف وغضب الدنيا يتملكها،..وتخيلت معاذ أمامها..يقف وقفته الماجنة..ويوجه لها ما قرأت من إساءات!!جافاها النوم!!وزاد تصميمها على الاستقالة،والنقل لمدرسة أخرى مهما كلف الأمر. استقبلتها صباحاً مديرة المدرسة مستوعبة غضبها وحزنها،وطلبت منها دفتر معاذ،وبعد أن قرأت ما كتبه تغيرت ملامحها وطلبت استدعاء التلميذ،ودخل عليها معاذ .بادرته:ما هذا يا معاذ؟هل هناك تلميذ يكتب هذه الإساءات !ولمن!!لمعلمته!!هل جننت!!كان معاذ يقف وينظر إلى مديرته وابتسامة خبيثة تعلو ملامحه،مستهتراً كعادته،وكأنه لم يفعل شيئاً !!تنهدت المديرة وطلبت من أخصائية المدرسة التحفظ على التلميذ واستدعاء ولي أمره في الحال. دخلت أم معاذ مهاجمة :«ماذا حدث يا أستاذة؟خير؟ماذا فعل معاذ هذه المرة؟إحنا مش فاضيين كل دقيقة نجيء إلى المدرسة؟”حاولت المديرة أن توضح لها أهمية التعاون بين المدرسة والبيت وانعكاس ذلك على صحة التلاميذ النفسية وتربيتهم وتقويم أي سلوك قد يظهر على التلميذ .،وبدأت تشرح لها ما فعله معاذ وما قام بكتابته من إساءات لمعلمته في دفتر المفروض أن يتلقى فيه العلم والمفترض بها كأم أن تكون متابعة له، لم يعجب أم معاذ ما سمعته وبدأت تهاجم الأستاذة مدعية بأنها تكذب على ابنها ومن الممكن أنها كتبت لنفسها هذا حتى تتهم ابنها. هنا وقفت مديرة المدرسة قائلة:ما هذا الكلام يا أم معاذ !!نحن في مدرسة هدفها تربية وتعليم !وهذه معلمة فاضلة بل ومن أفضل المعلمات!!أنا آسفة يا أم معاذ سأحول الموضوع إلى التحقيق مع الإدارة التعليمية في المنطقة. هنا ثارت ثائرة أم معاذ وحاولت خطف دفتر ابنها وتمزيقه ،بل ومهاجمة المديرة،إلا أن الاخصائية حالت دون ذلك،وخرجت أم معاذ وهي تهدد بإغلاق المدرسة وتأديب من فيها.وكما توقعت المديرة ما هي إلا ساعة ودخل عليها حارس المدرسة يخبرها أن “الفندم”(ويقصد أبو معاذ)في الباب ومصر على أن يدخل مع عسكره،خرجت مديرة المدرسة إلى البوابة مما جعله يرافقها خجلاً من خروجها لاستقباله في البوابة .ثم في الإدارة بدأ أبو معاذ الحديث مهاجماً كل من في المدرسة ،ويريد أن يرى هذه المعلمة التي تتهم ابنه بهذه الاتهامات لكي يربيها،كان يتحدث بغضب وعصبية ،هدأت المديرة من روعه وبدأت توضح له إلى أين وصل ابنه بتصرفاته اللا مبالية بأحد ،وكيف أهمل في حق متابعة ابنه حتى أصبح هكذا وأنها قد اتخذت اجراءات فصله لعدم تجاوب البيت مع المدرسة. هدأ الوالد وهو يرى إصرار المديرة وبدأ يحدثها بهدوء :«يا أستاذة لا تكبري المواضيع، الولد عادوه جاهل وبعدين ما فعل شيئاً يخليكم تفصلوه”.فهمت المديرة أن الأم لم تخبره كل شيء ،فأخرجت دفتر ابنه ليرى بنفسه هل الموضوع يستاهل أم لا.صعق الوالد وهو يقرأ،وبدأت ملامح الخجل تبدو عليه ،وبدأ يعتذر :يا أستاذة حقكم عليّ وابني سأربيه ومستعد للاعتذار منكم ومن معلمة ابني بأي شكل تحبوه.أوضحت له المديرة أن الأمر خرج من يدها وأنها أبلغت المنطقة التعليمية بقرار الفصل بعد التحقيق في الموضوع قائلة:يا أبا معاذ لابد أن يعرف الولد أنه أخطأ ولابد أن يتحمل نتيجة خطئه ،ولابد أن تكون المدرسة والبيت في هذا الأمر معاً حتى نستطيع أن نقيم من سلوكه ،ولم أقدم على هذه الخطوة إلا بعد أن درسناها جيداً ،ونحن مازلنا فى بداية العام الدراسي ولن يتأثر من عملية النقل إلى مدرسة أخرى. خرج أبو معاذ بعد فشله في أن تغير المديرة من قرارها.بعدها بأيام وردها اتصال من بعض الشخصيات الاعتبارية في المنطقة في محاولة للتدخل لحل الموضوع وبقاء معاذ في المدرسة .فعرفت المديرة أن أبا معاذ يحاول التوسط بإحراجها ببعض هذه الشخصيات .رفضت مديرة المدرسة اي تدخل وأيقنت أن معاذاً لن يتغير سلوكه مادام والده يفكر بهذه الطريقة ،بأن يخرج ابنه منتصراً! من البداية لم تستغرب سلوك معاذ ،فهو يتصرف حسب تربيته ،عنجهية والده وجهل والدته ظهرا جلياً في سلوكياته ،حتى وإن تفاجأ الأب بسلوك ابنه إلا أنه لا يعدو عن قيم غرسها دون أن يشعر بأنه أهمل القيم التربوية التي تربى عليها هو. أحست بألم كيف يفكر بعض الآباء!!إنها تحمل هم معاذ ومستقبله أكثر من والديه !إن إهمال بعض الآباء للتربية الصحيحة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على أن يكونوا قدوة صالحة لأبنائهم هو مايدفع الأبناء لمثل هذه السلوكيات،وعدم الاهتمام بغرس مبادئ ديننا الحنيف كسلوك يلمسه الأبناء لدى آبائهم هو ما يجعل الهوة واسعة بين الأبناء وآبائهم. ودمتم.