تلك حكمة سرت في التاريخ بوصفها الرافعة الكبرى لتحقيق العدالة ، وتكمن سر هذه الحكمة في أنها تجعل المدعي على الآخر مطالباً بتقديم الدليل القاطع المانع على أقواله ، وإلا فإنه يتحول إلى متهم لأنه كذب في ادعائه، وحكم على الآخرين بالظن ، وبعض الظن إثم مبين ، وقد كان المتصوف الشاطح الحلاج محقاً عندما قال بالظن وهو في معرض حديثه عن العلاقة بين اللاهوت والناسوت ، حيث أنشد قائلاًَ : عجبت منك ومني يامنية المتمني أدنيتني منك حتى ظننت أنك أني وبهذا الظن الذي أباح به، حمى نفسه من المساءلة وتأويلات المتأولين ، وهكذا تحول الظن لديه إلى مخرج بدلاً من أن يكون ورطة كما يحصل عند أغلب الناس ، ومنهم المدعون بالظن لا اليقين المقرون بالدليل القاطع المانع . مقولة ( البينة على من ادعى ) ليست مقرونة بالقضاء والمحاكم فقط ، بل بمختلف جوانب الحياة التي يتعارض فيها الناس اجتهاداً وتقييماً ، وفي حالتنا الراهنة لا بد من تقديم الدليل تجاه من يقطعون التيار الكهربائي، ويخرجون القتلة من السجون بذريعة توفر الضمان التجاري الكفيل بتسديد دية المقتول!! ، ودونما اعتبار للحق العام الذي يمثل جوهر القصاص العادل من المجرمين ، وقد علمت مؤخراً أن بعض رؤساء النيابة العامة في بعض المدن لا يتورعون من إطلاق سراح القتلة تحت بند الكفيل المالي !، متناسين أن مثل هذا الفعل يجعل أولياء دم القتيل مرغمين على توسيع دائرة القتل والقتل المتبادل ، وصولاً إلى تعميم ثقافة الأخذ بالثأر . ومن المفجع حقاً أن نسمع عن مثل هذه الممارسات في مدن عريقة لم تعرف هذه الثقافة البائسة ، كما هو الحال في مدينتي عدن والمكلا. القضاء اليمني والنيابة العامة مطالبون بالرد على مثل هذه الاتهامات من خلال القانون ، والقانون فحسب ، فهل ننتظر ذلك ؟ . [email protected]