«الزعامة» صفة لا تُطلق على كل الناس، إنها صفة عظيمة, لا تُطلق إلا على القادة العظماء، وقد أُطلقت على عدد غير قليل من قادة العالم العظماء. فكان (غاندي) زعيماً، وكان (نهرو) زعيماً، وكان (تيتو) زعيماً، وكذلك كان (عبد الناصر) والشهيد إبراهيم الحمدي وغيرهم.. كل أولئك زعماء؛ لأنهم مشتركون بصفات عظيمة أهمها امتلاك مشروع حضاري لبلدانهم وأممهم. فكان مشروع (غاندي) المتمثل بتحرير الهند من الاستعمار البريطاني وتحويل الهند من دولة فقيرة إلى دولة نووية ومنتجة تغزو منتجاتها أصقاع الكرة الأرضية، رغم عدد السكان الكبير الذي وصل اليوم إلى حدود المليار إنسان، وعلى الرغم من تعدد القوميات والديانات والمذاهب. وكان (نهروا) و(تيتو) و(عبدالناصر) زعماء؛ لأنهم أطلقوا المشروع العظيم، مشروع دول عدم الانحياز الذي أوقف الجبروت الروسي الأمريكي على دول العالم الثالث، التي لولا هذا المشروع العظيم لما تحررت من الاستعمار والهيمنة. وكان مشروع (عبد الناصر) «القومي» الذي جعل شعوب العالم العربي تنتفض وتقوم بثوراتها تباعاً ضد الاستعمار فنالت الحرية والكرامة، وقدمت مصر عبدالناصر في سبيل تحقيق ذلك المشروع آلاف الشهداء والجرحى وملايين الدولارات. وكان مشروع الشهيد إبراهيم الحمدي (الوطني) الذي جعل الشعب اليمني يخرج من حالة الركود الثقافي والفكري والاقتصادي إلى حالة الطموح والأحلام، ومن حالة التبعية للأفراد إلى حالة التبعية لدولة النظام والقانون، وبدأ الشعب اليمني يُطلق أحلامه وطموحاته بخلق دولة مدنية حديثة يسودها العدل والمساواة بين جميع أفراد الشعب. ومازال الشعب اليمني اليوم يتذكر تلك السنوات التي عاشها في ظل قيادة ذلك الزعيم، وكيف انتعشت اليمن اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وشعر بهذا الانتعاش كل يمني في الداخل والخارج، تلك حقائق لا يستطيع أحد نكرانها. إلا أن قوى التخلف والرجعية والذين لا يريدون لهذا الشعب امتلاك مشاريع عظيمة تقفز به إلى ركاب الدول المتقدمة خدمة لمشاريعهم الصغيرة التي تخدم مصالحهم الشخصية فقط، تلك القوى قامت باغتيال ذالك الزعيم، وباغتياله تم اغتيال مشروعه وحلم اليمنيين جميعاً, إنه اغتيال لوطن وشعب كان ينشد الحرية، ويحلم بدولة يسودها النظام والقانون، ويطمح ببناء دولة مدنية حديثة. وبعد اغتياله دخل الوطن في كهوف الظلام التي أفرزت حروباً متعددة بين القبائل وبين الشطرين اليمنيين آنذاك، وتصفيات جسدية للقادة وزعماء المعارضة وأصحاب والفكر والرأي, نال أصحاب مشروع الزعيم الحمدي النصيب الأوفر منها. واليوم في 11 أكتوبر 2012م تعود ذكرى اغتيال الزعيم الحمدي في ظروف جديدة ومستجدات عظيمة؛ فالشعب اليمني اليوم وبعد ثورة 11 فبراير السلمية، والتي أزاحت النظام السابق عن الحكم، وقتلت أحلامه في التمديد والتوريث، بدأ هذا الشعب اليوم يُطالب بإحياء مشروع الزعيم الحمدي. الشعب اليمني اليوم خرج إلى ساحات الحرية والكرامة يُطالب وبكل ما أوتي من قوة بدولة النظام والقانون ودولة العدالة والمساواة وبناء الدولة المدنية الحديثة التي ستعمل على إيجاد جيش وطني يحمي الوطن ولا يحمي الأفراد، ونظام ديمقراطي حقيقي يقوم على احترام الرأي والرأي الآخر واحترام رأي الأغلبية، وقدم هذا الشعب من أجل تحقيق ذلك دماء زكية وأرواحاً طاهرة. فرحم الله الزعيم الشهيد إبراهيم الحمدي في يوم ذكرى اغتياله، وعهد منا جميعاً بإحياء مشروعه من جديد، وعدم السماح لقوى التخلف والظلام باغتياله مرة أخرى.